الثورة أون لاين- عائدة عم علي:
في التاسع والعشرين من أيار عام 1945 رسم ثلة من السوريين الأبطال دروب نصرهم وهم يقاومون المحتل الفرنسي بدباباته وطائراته بصدورهم العارية وأسلحتهم الخفيفة، ولقنوا المحتلين دروساً بليغة بالمقاومة والعزة والكرامة الوطنية.
ففي ذلك اليوم المجيد قدم عدد من الأبطال السوريين أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن الوطن بعد عدوان الجنود الفرنسيين المحتلين على البرلمان السوري، وهو اليوم الذي اتخذته قوى الأمن الداخلي في سورية عيداً لها استذكاراً للقيم النبيلة والوقفة البطولية التي جسدها أبطال حامية البرلمان في ذلك العام باستشهادهم في سبيل حرية واستقلال وطنهم.. رافضين أوامر المستعمر الفرنسي في أداء تحية علمه.
وتعود قصة هذا اليوم إلى ظهر يوم 29 أيار من عام 1945 حين وجه الجنرال الفرنسي المحتل إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري يطلب فيه أن تقوم قوات الشرطة والدرك بأداء التحية للعلم الفرنسي بواجهة المجلس إلا أن الإنذار رفض، وتم الإيعاز إلى قائد الدرك العام بعدم الاستجابة لهذا الإنذار، وبدورها رفضت حامية البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية الذي يقع مقابل مبنى المجلس بعد أن تلقى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمراً بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان مستخدمين الأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.
ودوى صوت القنابل والرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، فيما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيرانها نحوه بكامل قوتها، بينما استحكم رجال الدرك السوري والشرطة الموكلون بالدفاع عنه وراء متاريسهم وشرعوا بمقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية رافضين الاستسلام معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، ومتسلحين بالإيمان وقوة الانتماء وحب الوطن فكتبوا بدمائهم الزكية عزة وطنهم وكرامته وسطروا أحرف نور تضاء بها دروب المستقبل المشرق لوطنهم الغالي، واستشهد ثمانية وعشرون من المدافعين وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس وهما شهير الشراباتي وإحسان بهاء الدين اللذان استطاعا النجاة من الموت المحقق بأعجوبة، إضافة إلى الشرطيين إبراهيم الشلاح ومحمد مدور اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى ليصبحا الشهيدين الحيين.
واليوم يكرر المستعمرون جرائمهم بحق الشعب السوري ويحتلون أرضه لكن هذا الشعب المقاوم استطاع أن يدحرهم ويطهر أرضه من رجس إرهابهم، ويواصل كفاحه حتى تحرير آخر ذرة من تراب وطنه الغالي
