الملحق الثقافي:حسين صقر:
رغم عمقه واتساعه وتعدّد شطآنه، ومجاورته للعديدِ من الجُزرِ والمدنِ المأهولة، واحتضانه السيّاح والصيادين والتجار والعشاق والغواصين، لكنه المكان الآمن لإيداعِ أسرارنا، حتى في قطراتِ مائه، وذرّات ملحه.
تسمع مع حبات الرمل أجمل الحكايا، حيث صخور الشاطئ تعانق الموج، والأخير يلثمُ جبينها، فتظنُّ للوهلةِ الأولى غير ذلك، لكنّك سرعان ما تغيّر فكرتك، عندما ترى الصفحة ابيضّت وانجلت، وازدادت نقاءً..
عند البحر تجدُ المسرور والحزين.. الممتلئ بالهمومِ الذي تستفزّه أدنى الكلمات، ويتألم لأبسطِ المواقف، كما تجدُ الذي باع الدنيا وما عليها، وجاء فقط ليفرح ويغنّي، ليقينه أن اللحظات الجميلة لا تعوّض أبداً.
تجدُ أيضاً، من يتناولون أشهى أنواع الطعام والشراب، وكأنهم جاؤوا لإتخامِ أنفسهم بكلّ ما يتأتّى لهم من متعِ الحياة.. ومن جاؤوا لساعاتٍ من الاستجمام، أو ربّما للتأمل في هذا العالم العميق والصاخب والعملاق.
عبر صفحات مائهِ الدافئ، ترسل أجمل الأحاسيس، وتحت سقفِ أمواجه، تنتابك لحظات من الرهبة، قد تتحوّل فجأة إلى لحظاتٍ من الحنان.. تارةً تجدها هائجة ومخيفة وكأنها تتوعّدك، وتارة أخرى هادئة تسعى إليك، لتحضن شغفك.
هي لا تتسابق إلى الشواطئ كي ترتاح، بقدر ما تأتي محمّلة بالأشواق، فتُلقيها بسرعة مفتّتة بها صخورِ الغربة، أو قلوبٍ محبّة، لتعود بعدها، فتلتقط المزيد من هذه الأشواق، ولا تتوقف عن السباحة من شطآنٍ بعيدة يقبع عندها أحبّة، إلى الشاطئ الذي ينتظرها فيه مشتاقون لأخبارِهم.
لليلِ البحر حكاية أخرى، وللسكونِ بجانبه رواياتٌ يسرح الخيال على بساطه اللامع وهو يسمعها، ومع الأضواءِ المنكسرة والمنبعثة من بعيد، ينتبه إلى حلقات الرقص والدبكات والأغاني العفوية، التي لا يستطيع مطلقوها حفظ أكثر من مقطعٍ واحد، وربما مقطعين، والباقي يكملونه كما يحلو لهم، أو حسب ما تجود به قريحتهم، فالمهمّ لديهم ألا تضيع اللحظاتِ الجميلة، التي قد لا تتكرّر..
على شاطئ البحر، تجدُ ملامح المحبّين والمتيّمين، فتتذكّر معنى الحب والجمال وتدرك قيمتهما، وتتذكّر جمال اللقاء، وقسوة الفراق، ولاسيما عندما تغادر الشّمس إلى خلف الجبال، تاركة خلفها خيالاً وردياً..
ترى عظمة الخالق وجبروت الخلق، وغضبهم وحلمهم وتواضعهم واختيالهم وصفائهم وحبهم وكرههم، ما يهبُ الشّاعر والرسام والكاتب، كلّ أسباب الإبداع، فالريشة ترسمه والعين تصوّره واليد تنحته، والألوان تزداد اتّحاداً وبريقاً، فيهيم الوجدانُ مطلقاً لنفسهِ العنان.
ما أروع البحر حين يطلُّ عليه العشاق، فيهدأ ليسمع وشوشات بوحهم، وما أشدّ ظلمته، حين تطلُّ منه الذكريات، فيهتاجُ لآلامها ويُلقي على ضفافهِ، أشلاءها بقايا أحلام..
التاريخ: الثلاثاء13-7-2021
رقم العدد :1054