الملحق الثقافي: عبد المعين زيتون:
لا يملّ الإنسان، الحياة التي ألفها واعتاد على تفاصيلها، فاليوميات التي ألفنا التعايش مع دقائقها، وساعاتها طوال اليوم، ليست مثاراً أو دافعاً للمللِ، على ما فيها من رتابةٍ وتكرار، إذا ما نظرنا إلى هذه الرتابة بعين المحبّة.
يقول علماء النفس: “ليس الروتين هو من يبعثُ في نفوسنا الملل، ويدفعنا للشعورِ بالزهد في الحياة، ومحاولة الهرب منها، بل نظرتنا إلى الحياة ذاتها، وإلى دورنا فيها.. نستطيع إذا شئنا، أن نرى شيئاً جديداً في كلّ يوم، تماماً كما لو كنّا ننظر إلى لوحةٍ جديدة، أو نقرأ كتاباً جديداً، أو نستمع إلى قصيدةٍ جديدة، مملوءة بالمعنى الجميل”.
وهكذا، فإن الدفء الذي يشعلُ قلوبنا، والمحبّة التي نترك لها العنان لتسيطر على أحاسيسنا ومشاعرنا، والحوافز القوية والملحّة التي يجب أن نستقبل يومنا الجديد بها.. كلّ ذلك، عبارة عن عناصر حيّة في الروح، تخلق بمجملها انفعالاتٍ متجددة، تشكّل الوقود اليوميّ للانطلاق نحو يومٍ مشرق، بل وتحرّك في عزائمنا رغبة حقيقية للاستمرار، والمضي نحو ما يرتقي بنا ويُشعرنا بقيمةِ وجودنا..
قد تبدو هذه الأفكار، مجرّد نظرية للوهلة الاولى، ولكن إذا أنشأنا مقاربة لطيفة مع عوالمنا الإنسانية، التي يعيشها كلّ منّا داخله، ومع الكون والطبيعة حولنا، سوف نجد بقليلٍ من لحظاتِ التأمل، أن هذا الكون على ما ينطوي عليه، من عواملٍ وعناصرٍ هائلة التكوين، يستمر بانتظامٍ حتى وإن شعرناه رتيب، لا يتغير او يتبدّل.
إنه نظام دقيق، ومنذ إن انشغلت الحياة بالحركة المستمرة في محتوياته، وليست الأرض بمخلوقاتها وعناصرها، إلا جزءاً من أجزائه، والحياة نفسها، بكلّ مظاهرها وأشكالها وألوانها، تسير طبقاً لهذا النظام، الذي وضعه الإنسان لنفسه، حتى صار حالة من الرتابة والعادة.
إذاً، الملل الذي نعيشه، أو نشعر به بين آونةٍ وأخرى، ونحاول أن نهرب منه، ما هو إلا حالةٍ من حالات الشعور الإنسانيّ، المتّفِق مع صيرورة الحياة ذاتها، فإذا كان الملل إحساساً متلازماً مع الحياة، فوحدنا من بإمكانه تجاوزه، فالشمس تشرق في موعدٍ محدّد كلّ يوم، ويتعاقب الليل والنهار كلّ يوم أيضاً.
ربما كانت هذه بعض الحقيقة، لكنّ الحقيقة كلّها، أنَّ علينا أن نهب الوطن الذي نعيش فيه، الكثير من الحبّ والوفاء، ليهبنا الأمل والحياة الأرقى والأحلى..
التاريخ: الثلاثاء13-7-2021
رقم العدد :1054