الملحق الثقافي : عبد الحكيم مرزوق:
أقامت مديرية الثقافة، والمركز الثقافيّ العربيّ بحمص، وبالتعاون مع ملتقى أورنينا للثقافة والفنون، ندوة ثقافيّة عنوانها: «رؤية جماليّة فنيّة في شعر ممدوح السكاف».. شارك فيها: د.»عبد الرحمن البيطار»، ود.»أسامة المتني»، ود.»إيمان عبد القادر»، وقد أقيمت الندوة في المركز الثقافي العربي بحمص، قاعة الدكتور «سامي الدروبي»، وحضرها جمهورٌ من الأدباء والمهتمين.
مدرسةٌ شعريّةٌ حديثة
تحدّث الدكتور «عبد الرحمن البيطار» عن معرفته بالشاعر الراحل «ممدوح السكاف» الذي ولد في حمص عام 1938، ودرس فيها ثمّ حصل على إجازة اللغة العربية من جامعة دمشق، وشغل مناصب إدارية عديدة منها، رئيساً لفرع نقابة المعلمين، ومديراً للمركز الثقافي العربي، ورئيساً لفرع حمص لاتحاد الكتب العرب لسنوات طويلة.
أضاف د.»البيطار»، أن مواهب «السكاف» ظهرت في مراحلٍ مبكرة، فقد بدأ مشواره الإبداعيّ، مراوحاً بين القصة والشعر، وكتابة الدراسات النقديّة، في عدّة صحف ومجلات كانت تصدر في الخمسينيات والستينيات، ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، وبأن المقام استقرّ به على ضفاف الشعر الذي جعله يتجوّل في كتابته، بين «الرومانسية الجديدة» و»الملحمة الدرامية التجريبية»، ثم «السريالية اللاواعية»، وهجر الشعر العربيّ العمودي، الذي يسمونه «الكلاسيكي» أي التقليدي.
سار «السكاف» في مساحةِ الحداثة الشعريّة، التي كانت تعني له النزوع الفني لمواكبة العصر بمنظارِ الوعي الشعريّ، الذي يقدم نصوصاً وأساليب جديدة في العرض والمضمون، حتى إن أحد النقّاد قال عنه، إنه عمل على تأسيسِ مدرسةٍ شعريّةٍ حديثة، تتطلّع إلى مستقبل الحداثة الموازية للتراث مع المعاصرة، وختم بالقول: إن الفاعلية الشعرية في نصوص ممدوح السكاف، تبقى استمراراً تعبيريّاً عن الذات عميقة الأغوار، وغالباً ما ترتبط بترسباتٍ ذاتيّة، تتحوّل إلى مطلبٍ أساسيٍّ، يلحُّ عليه دائماً بأن يمتلك جسده، ويرعش قلبه، ويستفزُّ عقله، ويهزُّ مشاعره لإنتاج شعره الرمزيّ الحداثويّ.
تفرّد بثورتهِ التجديدية في الشّعر
أيضاً، قال د.»أسامة المتني: «الشاعر السكاف يمتاز بمخيّلة صاهلةٍ جامحة، تشرق وتغرب، تعلو وتهبط، والمجازات للفضاء الذي يتوخّى الشاعر تشييده والسباحة فيه، فكان يعامل قصيدة النثر بمهارةٍ وحرفيّة ملحوظتين، وظهوره الشعريّ حمل في طياته الخطاب الثقافي والأيديولوجي، الذي يبدو وكأن الشعر جزءاً منه، ويحمل لمسته المتفرّدة عن أبناء جيله».
كما تحدّث د.»المتني» عن النزعات الجماليّة لدى «السكاف»، والتي هيمنت وتربّعت على شعره، ومنها النزعة اللفظيّة التي تعانقت مع ألفاظه، فبدت تلك الألفاظ تسيل كالسيل، من السفح إلى المنحدر، فيّاضة غنيّة، تحمل معها القيم والثقافة الواسعة، المزخرفة بألوانٍ جديدة، تأخذنا معها إلى عالم السحر والجمال، وكذلك النزعة التجريبية التي تأنّقت من خلال ثورته الشعرية التجديدية، التي ينتقل فيها وبسرعة، من النثر إلى الشعر إلى الأسلوب السردي، والنزعة التخيّلية التي ولدتها قريحته الشعرية وذائقته الأدبية الثرة.
وقد وجد الدكتور «المتني»، أن «السكاف» يمتلك نزعة رؤيويّة واستشرافيّة، ميّزته عن أبناء عصره، وجعلته يحمل بصمة خاصة به دون غيره، فتجلّت نزعته الفردية المطبوعة بالانفعال السيكولوجي اللغوي، ما لوّن تجربته الجمالية بسماتٍ متعدّدة، منها الوجوديّة والحسيّة والنفسيّة، إضافة إلى معاناته تجاه ما حرمه منه مجتمعه، نتيجة الكبت الاجتماعي والانغلاق والعادات والتقاليد التي عاشها، وولّدت لديه شرارة نبوغٍ وإبداعٍ، من تصوير جسد المرأة بأدقّ التفاصيل، مكوّناً نموذجاً عذابيّاً انتهى بتجربةٍ محورها الجماليّ، جعل نصّه نفسانيّاً ووجوديّاً وتخيّليّاً..
عناوين قصائده من مفردات الطبيعة
أما الدكتورة «إيمان عبد القادر»، فكان رأيها: «الشاعر ممدوح السكاف فنانٌ علا بإحساسه، فأبدع في شعره لوحاتٍ فنيّة نابضة بالحركة والحياة، وساكنة كسكونِ الليل في وقت الإبداع، زاخرة بالرمزِ والإيحاء.
قالت عنه هذا، وأشارت إلى بعض معالم الطبيعة «المكان والزمان» في الصور التي يرسمها بشكلٍ رمزيّ مشحون بالواقع والإحساس، ورأت أنه استنفذَ من مفردات الطبيعة، وشكل بها عناوين قصائده التي كانت مفاتيح لغوية، تتحمّل شحناتٍ دلاليّة ترتكز على الرمز والإيحاء والإشارة والتلميح والخفاء، ففي ديوانه «فصول الجسد» تجلّيات للطبيعة في حركةٍ جدليّة متداخلة، ومن ذلك تتضح لنا معالم مشاهده الشعريّة، مقترنة بالنزعة الرومانسيّة والصوفيّة لديه، وتشعر بمأساة الإنسان، وفي الوقت نفسه تشعرنا بالفرح العظيم، بالولادة والحياة.
وتوقفت د.»عبدالقادر» عند المكان والزمان الذي يلفت النظر في مجموعة «فصول الجسد». مثلاً: حضور الحديقة وبروزها بوصفها مجلى من مجالي الطبيعة الحية، ومكاناً مألوفاً في عالم المدينة، والحديقة في النصوص الشعرية، هي الجميل المتناهي الذي لا يدوم، ينبض بالحياة مرّة ويحتوي جسد الشاعر مرّة، فهي مكان يجاوز وجوده الطبيعيّ في النصوص الشعرية، ليأخذ بعداً مكانيّاً جماليّاً عبر جماليّة الحركة، فكلّ ما في القصيدة يدعو إلى الحركة، وهنا يكمن سرّ جمال اللوحة الشعريّة، والحركة ترمز إلى الفرح الذي يكمن في نفس الشاعر، ويتحوّل في نهاية النص الشعري إلى الجنون، في حلم أو رؤيا، حيث ينقلنا الشاعر من العالم المادي، إلى العالم الخيالي، وتصبح الحديقة ومعالمها واضحة الحركة خلال النهار..
تختم الدكتورة «عبد القادر»، بالتوقف لدى الزمان المتمثّل بالليل، وهو من عناصر الطبيعة الرومانسية، ويشكّل لدى الشّاعر عالم الإحساس الباطنيّ، فالليل لديه هو شعوره الداخلي، هو اليباب والظلمات والغياب، ويقابله الضوء وهو القمح واللمع والنور والشباب، وبين الظلام والنّور تكمن الحياة، وفي هذا إجلاء لرمزية الليل، والشاعر يخلق مشهده، صورة من صورة، في حركةٍ دائريّة متجدّدة باستمرار..
التاريخ: الثلاثاء 17- 8- 2020
رقم العدد: 1059