الثورة اون لاين – لميس عودة:
يرمي الحاوي الأميركي نرده الإرهابي على الرقعة العالمية، ولكل من يرفع لواء الرفض لسياسة هيمنة واشنطن وتسلطها نصيبه من العداء الأميركي، إذ قد يكون داعش أو القاعدة وتفريخاتها كطالبان والنصرة لا فرق في العرف الأميركي بالبدائل الإرهابية طالما أن هذه الأدوات تؤدي أدوارها الوظيفية المنوطة بها والموكلة إليها، فالغايات الأميركية القذرة المتمثلة بتمدد النفوذ الاستعماري وتكبيل إرادة الدول برفض الهيمنة تبيح كل المحظورات وتتيح التدخلات بمنأى عن المواثيق و بخرق صارخ للأعراف الدولية.
“ملهاة” الإرهاب و”ديمقراطية” الخراب هما العنوان العريض للسياسات الأميركية كأسلوب معتمد للغزو واستلاب استقرار بعض الدول وتهديد بعضها الآخر، فما جرى ويجري في أفغانستان من عودة لإرهابيي طالبان للحكم وسيطرتهم على ترسانة أسلحة أميركية الصنع من الجيش الأفغاني، كل ذلك لم يحصل وأميركا مقفلة العينين وفي غفلة عن أعين استخباراتها وجنود احتلالها، بل إن وراء كل ما يجري بصمات التواطؤ الخفي والمعلن.
عشرون عاماً من الاحتلال الأميركي للأرض الأفغانية، وتريليونات الدولارات نفقات ادعاء ومزاعم محاربة حركة طالبان الإرهابية، ومفاوضات ولقاءات، والنتيجة أنه بلحظة الإعلان الأميركي عن الانسحاب يعود البلد ليكون تحت سيوف إرهابيي طالبان ومقصلة الفكر المتطرف فهل ذلك مصادفة؟! بالطبع لا فالأصابع الأميركية هي محراك الشرور ومشعلة فتيل الحرائق الإرهابية لغايات ليست بخافية على كل متمعن في تفاصيل المشهد الأفغاني الحالي.
يرى كثيرون أن ما يجري في أفغانستان دليل على هزيمة واشنطن وانكماش قدراتها وفشل تكتيكاتها العسكرية والاستخباراتية، في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن ما جرى ويجرى هو بمحض إرادتها وتحت إشرافها وتنسيقها والغاية هي إخراج الإرهاب من جحوره والربت على كتفه لينمو مجدداً لتفخيخ المشهد الآسيوي بديناميت الإرهاب، فأفغانستان بموقعها الجغرافي والاستراتيجي قريبة من الجمهوريات الروسية ومن إيران وعلى تماس شمالي مع الصين، والفوضى الإرهابية فيها لها انعكاساتها على هذه الدول تجني من ورائها أميركا فوائد جمة، فرمي مزيد من الحطب في نار الأحداث لإرباك المشهد في الشرق الآسيوي هو بالضبط ما تقوم به أميركا وتلهث لتحقيقه.
لا تعويل على تقويم اعوجاج التعاطي الأميركي مع ملفات المنطقة ولا على تصويب لنهج الغطرسة التي تتعامل بها واشنطن مع العالم وملفاته وأزماته التي لها اليد الطولى في تسخينها على جمر الرغبة بالهيمنة والجموح للتسلط وفرض الاملاءات، ولا رهان أبداً على أن بايدن سيحمل في جعبته مطافئ للحرائق التي أشعلها أسلافه على امتداد رقعة الدول، ولا نتوقع منه تبريدا لدرجة حرارة الغليان الإرهابي في منطقتنا التي رفعتها أمريكا لتنضج طبخة أطماعها، أجل لن يحدث كل هذا، فواشنطن لن تتوقف عن نهج العبث إلا مرغمة على جر ذيول الهزيمة والخيبة.
في سورية رغم التقاطعات المتشابهة مع الغزو الإرهابي والفكر الظلامي الذي أريد له أن يوشح المشهد السوري، ورغم ضخامة الترسانة الدعائية والعدائية التي استخدمت ومازالت، إلا أن السوريين مزقوا أجندات واشنطن، وكانت البصيرة السورية من بداية الحرب متقدة فأفشلت المخططات والمشاريع الأميركية الاستعمارية .
بعيداً عن كابول، وقريباً منها في آن معاً، ركلات التخلي معهودة بالسياسة الأميركية، وطعن أدواتها وحلفائها في مقتل تبعيتهم واحتراقهم على تخوم مصالحها يؤكده المشهد الأفغاني كما أكدته العديد من المشاهد التي وثقت كيف ترمي واشنطن بأعقاب حطب أدواتها في أفران التخلي، فهل تصغي ميليشيا قسد لصخب بيانات التخلي الأميركية وتفتح نافذة للتبصر في جدران عماها السياسي والميداني، ففظائعها المرتكبة في منطقة الجزيرة تسرع بانزلاقها إلى مستنقع الهزيمة، وعليها حينها دفع فاتورة باهظة الأثمان.