الثورة – جهاد اصطيف:
تعد مدينة حلب منذ عقود طويلة عاصمة الصناعة السورية بلا منازع، حيث ارتبط اسمها بالصناعات التقليدية والحرفية المتوارثة أباً عن جد، وعلى رأسها صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية.
هذه الصناعة لم تكن يوماً مجرد نشاط اقتصادي فحسب، بل شكلت مكوناً أساسياً من هوية المدينة وذاكرتها الحرفية، ومع ما مرّ على البلاد خلال السنوات الماضية من ظروف قاسية وحصار اقتصادي وارتفاع تكاليف الإنتاج، أصبح هذا القطاع واحداً من أكثر القطاعات المتضررة، ما استدعى تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية لإعادة تقييم أوضاعه وفتح آفاق جديدة أمامه .
تشكيل اللجنة
في هذا السياق، عقدت غرفة تجارة حلب اجتماعاً برئاسة نائب الرئيس حسين عيسى، وبحضور أمين السر زين العابدين قاظان وخازن الغرفة حنا إيغو، تقرر خلاله تشكيل لجنة لدراسة الواقع الحقيقي لقطاع الأحذية والمنتجات الجلدية، وقد جرى التأكيد على أن عمل اللجنة لن يقتصر على رصد المشكلات، بل سيمتد إلى البحث عن حلول عملية بالتنسيق مع الوزارة المختصة والجهات المعنية .
ويأتي تشكيل اللجنة دون شك، ضمن خطة متكاملة للغرفة، تستهدف القطاعات الصناعية كافة، لكن الأولوية الآن تمنح للأحذية والمنتجات الجلدية نظراً لما لها من أهمية اقتصادية، ولما تواجهه من تحديات خاصة.
تحديات
ووفق ما تم عرضه من مطالب للحرفيين في الآونة الأخيرة واللقاءات المتكررة مع جهات عدة بهذا الخصوص، فإن أبرز المشكلات التي يعاني منها قطاع الأحذية في حلب، تتمثل في ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة مثل الجلود الصناعية واللواصق والمكملات، نتيجة العقوبات وصعوبة التحويلات المالية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما قلّص حجم الطلب على الأحذية الجلدية المحلية ذات الجودة العالية، والمنافسة مع المنتجات المستوردة ” المهربة غالباً ” المنخفضة الجودة والأسعار، والتي تغرق الأسواق وتضعف حصة المنتج المحلي. وكذلك المشكلات التقنية والإنتاجية، بسبب قدم الآلات المستخدمة، والحاجة إلى إدخال تقنيات حديثة في التصميم والتصنيع، والأهم معوقات التصدير الناجمة عن صعوبات الشحن، والرسوم المرتفعة، وعدم وجود منافذ تسويقية منظمة في الخارج .
جسر تواصل
بالعموم، لا يقتصر دور الغرفة على توثيق المشكلات، بل يمتد إلى رفعها للجهات الحكومية مع اقتراح حلول قابلة للتنفيذ، ومن المؤكد أن اللجنة ستعمل كجسر تواصل بين الصناعيين والوزارة، لضمان أن يكون أي قرار يتخذ مبنياً على معطيات دقيقة من أرض الواقع، ولا يمنع أن تسعى الغرفة إلى إطلاق مبادرات لدعم الترويج الخارجي لمنتجات الأحذية الحلبية، التي لطالما عرفت بجودتها العالية وقيمتها المضافة، مع التأكيد على أهمية فتح أسواق تصديرية جديدة في الدول المجاورة والأسواق العالمية .
تستحق الدعم
يبقى قطاع الأحذية في حلب أحد أعمدة الصناعة السورية، وأكثرها ارتباطاً بالتراث والهوية الاقتصادية للمدينة، وإذا ما كتب النجاح لعمل اللجنة الجديدة، فإن ذلك قد يشكل بداية حقيقية لإعادة إحياء هذه الصناعة العريقة، وفتح آفاق أوسع أمامها في الأسواق الداخلية والخارجية، فالأحذية الحلبية، كما يردد صناعها دائماً، لم تفقد قيمتها يوماً، وما تحتاجه فقط هو بيئة داعمة تستثمر طاقات الحرفيين، لتعيدها إلى مكانتها الطبيعية كمفخرة من مفاخر الصناعة الوطنية .