بيع الكهرباء بأسعار منخفضة يشل قدرتها على التطوير والصيانة      

الثورة – رسام محمد:  

بعد أن أصدرت وزارة الطاقة السورية قراراً جديداً يرفع أسعار الكهرباء اعتباراً من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2025، في خطوة وصفتها بأنها أساسية لإصلاح قطاع الطاقة المتداعي، وككل قرار، يلاقي في البداية ردود فعل متباينة بين من يراه ضرورياً وبين من يراه عبئاً إضافياً يثقل كاهل المواطن المثقل أساساً بالأعباء المعيشية.

إلا أنه لا بد من الاعتراف أنه لا يمكن لأي قطاع اقتصادي أن يستمر بالعمل وهو يتكبد الخسائر، وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي الدكتور مازن ديروان، حيث قال في تصريح لـ”الثورة” إن هذا المبدأ ينطبق على قطاع الكهرباء الذي يعد شريان الحياة للعصر الحديث.

وبناءً عليه، فإن بيع الكهرباء بأسعار تقل عن تكلفتها الحقيقية يؤدي حتماً إلى نفور المستثمرين، مما يخلق شحاً كبيراً في الإنتاج ويفتح الباب أمام أزمات طاقة خانقة.

وأوضح ديروان أن ما يحدث في بلدان مثل سوريا ولبنان يقدم مثالاً حياً على هذه المعضلة.

فقد أدى الانقطاع شبه الكامل للتيار الكهربائي الحكومي إلى لجوء المواطنين والقطاعات التجارية إلى حلول باهظة الثمن ومضرة بالبيئة.

وأشار إلى أن الاعتماد على مولدات الديزل الخاصة، سواء كانت “نظام الأمبيرات” المنتشر في الأحياء أو المولدات الفردية للمحلات والمؤسسات، لا يكلف المستهلك أضعاف سعر الكهرباء الرسمي فحسب، بل يفاقم من التلوث البيئي والضوضائي

وبالمقابل، نوّه الدكتور ديروان إلى استقرار قطاع الكهرباء في الأردن المجاور، حيث لا يعاني المواطنون من انقطاعات مبرمجة للتيار إلا في حالات الأعطال النادرة، مما يعكس إدارة أكثر واقعية لتكاليف وأسعار الخدمة.

لا مفر من “التعويم”

وأفاد ديروان بأن شركة الكهرباء في سوريا، التي كانت كياناً خاصاً قبل تأميمها في منتصف القرن الماضي، كانت تعمل وفق أسعار واقعية تضمن استمرارية الخدمة وجودتها دون انقطاعات تذكر.

وأن الخلل الجوهري الذي يعاني منه القطاع حالياً يكمن في بيع الكهرباء بأسعار منخفضة بشكل مصطنع، مما يراكم الخسائر على الجهة المنتجة ويشل قدرتها على التطوير والصيانة.

وشدد على أنه لا مفر من “تعويم” سعر الطاقة الكهربائية، أي ربطها بتكلفتها الحقيقية، لضمان توفير إنتاج وتوزيع كافيين ومستدامين.

هل الأسعار عادلة؟

وتابع الخبير الاقتصادي بأن هذا التحول نحو أسعار واقعية يطرح سؤالاً محورياً: هل ستكون الأسعار الجديدة عادلة للمنتج والمستهلك على حد سواء؟والإجابة، بحسب ديروان، إنه من خلال معرفته بدقائق تكاليف إنتاج الكهرباء ومراجعة الأسعار في الأردن، وهو بلد محدود الموارد الطبيعية ولكنه يمتلك إدارة مقبولة لقطاعه الكهربائي، نجد أن الأسعار المقترحة مؤخراً في سوريا تبدو أقل نسبياً.

وكمثال، يبلغ سعر الشريحة الأولى للاستهلاك المنزلي (حتى 300 كيلوواط) في سوريا حوالي 7.1 سنت أمريكي، وهي قيمة تنافسية مقارنة بالأسعار في دول الجوار.

وأكد على ضرورة أن يمارس القائمون على تحديد أسعار الكهرباء تدقيقاً صارماً على كفاءة التشغيل وضبط التكاليف، وإشراك هيئات المجتمع المدني في هذه العملية لضمان الشفافية ومنع أي استغلال محتمل للمستهلك، كما أن الفكر القائم على دعم السلع، بما فيها الطاقة، أثبت عدم جدواه على المدى الطويل، فالأسعار يجب أن تكون تنافسية ومبنية على التكلفة الفعلية لضمان استمرارية توفر المنتج، أما دعم الشرائح الفقيرة في المجتمع، فيجب أن يتم عبر آليات أخرى أكثر كفاءة وعدالة، مثل تقديم دعم نقدي مباشر للمحتاجين، يتم تحديده بناءً على دراسات دقيقة لحاجة الأسر وقدرة المجتمع على التكافل.

شرائح جديدة وهدف معلن

وبحسب بيان الوزارة فإن التعرفة الجديدة قسمت المشتركين إلى أربع شرائح رئيسية، في محاولة لمراعاة الفئات الاجتماعية المختلفة، ستبقى الشريحة الأولى، المخصصة لاستهلاك حتى 300 كيلو واط خلال الدورة (شهرين)، مدعومة بنسبة 60%، بسعر 600 ليرة سورية للكيلو واط، في المقابل، قفز سعر الكيلو واط للشريحة الثانية إلى 1400 ليرة، بينما تستهدف الشريحتان الثالثة والرابعة القطاعات ذات الاستهلاك العالي بأسعار تصل إلى 1800 ليرة.

خسائر بالمليارات

وأكد وزير الطاقة، المهندس محمد البشير، أن هذا التعديل يمثل خطوة أولى في مسار إصلاح منظومة الكهرباء، تهدف إلى تحسين كفاءة القطاع وضمان استدامته.

وأشار إلى أن الحكومة كانت تتكبد خسائر فادحة تقدر بنحو مليار دولار سنوياً، حيث كانت تكلفة إنتاج الكيلو واط الواحد تصل إلى 1600 ليرة، بينما يباع بأسعار رمزية لا تغطي التكلفة.

ووعد بأن هذه الخطوة سيتبعها إجراءات فنية، منها مشاريع توليد جديدة وتركيب عدادات ذكية لضبط الاستهلاك.

مخاوف شعبية

على الجانب الآخر، استقبل المواطنون القرار بحالة من القلق، وعبروا عن خشيتهم من أن تقفز فواتيرهم إلى أرقام تفوق قدرتهم على الدفع، مما قد يدفعهم إما إلى تقليص استهلاكهم للحد الأدنى، أو اللجوء إلى طرق غير مشروعة للحصول على الكهرباء.

ويرى محللون أن توقيت القرار غير مناسب، حيث لا تتناسب الزيادة مع مستوى الدخل والرواتب المتدني أصلًا، ولم يكن القطاع الصناعي

عن تداعيات القرار، حيث حذر عاملون فيه من أن رفع أسعار الطاقة بهذا الشكل الحاد سيؤدي حتماً إلى زيادة تكاليف الإنتاج، مما يفقد المنتجات السورية قدرتها التنافسية في الأسواق.

وشددت الحكومة على أن القرار يشمل إلزام جميع مؤسسات الدولة، بما فيها القصر الجمهوري والوزراء، بدفع فواتير الكهرباء من ميزانياتها الخاصة، لوضع حد للهدر الذي كان سائداً.

آخر الأخبار
مشاركة عربية ودولية فاعلة في"إعادة إعمار سوريا" بشراكات مستدامة ما لم تقله "رويترز".. الشرع يضبط الإيقاع داخل الدولة بلا استثناءات الرئيس الشرع يكافح الفساد ويطبق القانون على الجميع دون استثناء اجتماع باب الهوى ".. المحسوبيات والمصالح لا تبني دولة قوية البرلمان السوري.. حجر الأساس في بناء سوريا الجديدة ماهر المجذوب يعود إلى دمشق بمبادرة رائدة للكشف المبكر عن التوحد يد سعودية تبني.. ورؤية عربية موحدة: إعمار سوريا يبدأ من هنا بعد رفع تعرفة الكهرباء.. هل ستتحسن التغذية؟   بيع الكهرباء بأسعار منخفضة يشل قدرتها على التطوير والصيانة       عصمت عبسي: العشائر ترفض قسد وتطالب بالعودة إلى كنف الدولة    من الرهان إلى النهضة   دمشق تنام مبكرا.. فهل تنجح في إعادة هيكلة ليلها التجاري؟  تعرفة الكهرباء .. ضرورات الإصلاح والواقع المعاش  فاتورة دعم الكهرباء كبيرة جداً ولا بد من تصحيحها رئيس الغرف الزراعية: إتاحة المجال لقطاع الأعمال للقيام بالاستثمار والتنمية إدارة منطقة منبج تنفي شرعية ما يسمى بـ " نقابة المعلمين الأحرار " انتهاكات "قسد" المستمرة تهدد بانهيار اجتماعي في الجزيرة السورية "التأمين والمعاش" بحمص ..طابق مرتفع وكهرباء بـ"القطارة" ..! رفع تعرفة الكهرباء بين ضرورات الاستدامة والضغوط المعيشة  مستشفى الصنمين... بين نبض الحياة وغياب القرار!