الثورة – علي إسماعيل:
أثار تقرير لوكالة “رويترز” بعنوان “لا غنائم حرب.. الشرع يطبق القانون على الموالين” جدلاً واسعاً بعد أن تناول ما وصفه بإجراءات للرئيس أحمد الشرع تجاه بعض المقربين منه ومسؤولين حكوميين.
التقرير قدّم المشهد بوصفه مؤشراً على “اضطرابات داخل السلطة”، في حين أن قراءة متأنية لما ورد فيه تُظهر العكس تماماً، حيث يراها مختصون أنها مؤشرات واضحة على إرادة سياسية جادة لإرساء معايير النزاهة والمساءلة، حتى داخل الحلقة الضيقة المحيطة بالرئاسة.
فمن خلال سرد الوكالة نفسها، يظهر أن الرئيس الشرع لم يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة تجاه أي تجاوزات، بما في ذلك داخل عائلته، وهو ما لم تشهده الحياة السياسية السورية منذ عقود.
فالرئيس الذي جاء من خلفية معارضة يدرك تماماً أن بناء دولة القانون يبدأ من كسر الحلقة القديمة بين السلطة والامتيازات.
لكن ما يثير الانتباه هو الطريقة التي حاول فيها التقرير تأطير هذه الإجراءات ضمن رواية “الاضطراب والانقسام”، في سياق معروف عن بعض التغطيات الغربية التي تميل إلى تحويل الخطوات الإصلاحية في المنطقة إلى مادة للتشكيك والتأويل السياسي.
وحول هذا التقرير وما رد فيه أكد المعتصم الكيلاني المختص في القانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية لصحيفة الثورة أن تقرير وكالة رويترز الأخير بعنوان “لا غنائم حرب: حاكم سوريا الجديد يفرض القانون على الموالين” لا يمكن اعتباره مجرد خبر سياسي، بل هو شهادة دولية غير مباشرة على ولادة نهج جديد في إدارة الدولة السورية، قوامه سيادة القانون والمساءلة الكاملة دون تمييز أو حصانة.
وأشار الكيلاني أن الإجراء الذي تضمّنه التقرير والمتعلق بإغلاق مكتب أحد المقربين من القيادة يُشكّل تطبيقاً عملياً لمبدأ المساواة أمام القانون، الذي نصّ عليه الإعلان الدستوري المؤقت للجمهورية العربية السورية لعام 2025 في مادته (27)، والتي تؤكد أن “المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، ولا امتياز لأحد إلا على أساس الكفاءة والنزاهة وخدمة الصالح العام”.
وقال الكيلاني: من منظور حقوقي، فإن مكافحة الفساد ليست شأناً إدارياً فقط، بل هي حقّ أساسي من حقوق الإنسان يرتبط بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحق في التنمية، فالمادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تُقرّ بأن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكم، ولا تتحقق تلك الإرادة في بيئة تُستباح فيها الموارد العامة أو يُستغل فيها النفوذ لتحقيق منافع خاصة.
وحول أهمية الإجراء الذي اتخذه السيد الرئيس بغض النظر عن وقوعه أو عدم وقوعه، أكد الكيلاني أن ما تقوم به الدولة السورية اليوم يُعيد الاعتبار لجوهر مفهوم العدالة الإيجابية، التي تتجاوز محاسبة الأفراد إلى إصلاح المنظومة المؤسسية وبناء ثقافة وطنية جديدة قائمة على الشفافية والمساءلة، مضيفاً أن هذه الخطوات تمثل الركيزة الأولى في تأسيس سوريا الجديدة، دولة المؤسسات والمواطنة والرقابة الفعّالة على المال العام.
ومن وجهة النظر القانونية حول الإجراء الذي أوردته رويترز إن حدث؛ يقول الكيلاني: قانونياً، يندرج الإجراء الأخير ضمن إطار حماية النظام العام الاقتصادي ومكافحة الإثراء غير المشروع، وفقاً لقانون الكسب غير المشروع رقم 11 لعام 2021، الذي يُجرّم أي استغلال للسلطة أو المنصب لتحقيق مكاسب شخصية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء، مهما بدا فردياً في ظاهره، يُعبّر في جوهره عن تحوّل بنيوي نحو دولة القانون، حيث لا مكان بعد اليوم لأي حصانة عائلية أو سياسية خارج نطاق المحاسبة.
وختم الكيلاني كرأي سياسي بالقول: تقرير رويترز، وإن صدر من جهة إعلامية دولية، يمكن اعتباره إقراراً موضوعياً بجدّية سوريا في مسارها الجديد نحو بناء دولة العدالة والشفافية، وترسيخ الثقة بين المواطن والدولة على أسس القانون وحقوق الإنسان.