دمشق تنام مبكرا.. فهل تنجح في إعادة هيكلة ليلها التجاري؟ 

الثورة – ثورة زينية :  

القرار الجديد الذي أصدرته محافظة دمشق محدداً أوقات عمل المحال والأسواق من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء، لم يمر بهدوء.

فهو ليس مجرد إجراء تنظيمي كما تصفه الجهات الرسمية، بل تحول في إيقاع المدينة نفسها، مدينة عرفت بأنها تستيقظ على ضجيج النهار وتتنفس بحرية بعد الغروب.

وكانت محافظة دمشق بدأت رسمياً منذ أيام بتطبيق قرار جديد يقضي بتحديد أوقات عمل المحال والأسواق والمنشآت التجارية بين الساعة التاسعة صباحا والتاسعة مساء طوال أيام الأسبوع، مع استثناء يوم العطلة لكل قطاع.

ويشمل القرار أيضا المطاعم والمقاهي ومحال الحلويات والنوادي الليلية وصالات الألعاب ومحطات الوقود، بحيث تغلق معظم الأنشطة عند منتصف الليل كحد أقصى مع تمديد محدود للمطاعم حتى الواحدة بعد منتصف الليل في يومي الخميس والسبت.

الخطوة التي وصفتها المحافظة في بيان لها بأنها تهدف إلى تنظيم النشاط التجاري وتخفيف الضغط على الشبكات الخدمية فتحت باباً واسعاً للنقاش حول آثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مدينة طالما عرفت بحيويتها الليلية وامتداد نشاطها حتى ساعات متأخرة.

  تنظيم أم ترشيد؟

بررت المحافظة قرارها بأنه يهدف إلى تخفيف الضغط عن الشبكات الخدمية وتحسين بيئة العمل.

غير أن خلف هذه اللغة الإدارية تقف معادلة أكثر وضوحا: الطاقة محدودة والموارد شحيحة والمدينة مضطرة إلى تقنين جماعي في الحركة والاستهلاك.

يقول أحد المهندسين العاملين في قطاع الخدمات بمحافظة دمشق مفضلا عدم ذكر اسمه : كل ساعة إغلاق تعني طاقة موفرة وإنارة أقل وجهداً أخف في أعمال النظافة، المسألة ليست أمنية فقط، بل اقتصادية قبل كل شيء.

واستدرك : لكن هذه الاقتصادية تصطدم بالواقع اليومي حيث آلاف المحال تعتمد على النشاط المسائي، والزبائن يجدون في ساعات الليل فسحتهم الوحيدة.

مصدر من مديرية دوائر الخدمات في المحافظة بين ل” الثورة” أن القرار جاء بعد دراسة استمرت عدة أشهر شاركت فيها مديريات الخدمات والكهرباء والنظافة بهدف تحقيق توازن بين متطلبات العمل التجاري واحتياجات البنية التحتية.

وتشير التقديرات الأولية حسب المصدر إلى أن تقنين ساعات العمل قد يسهم في خفض استهلاك الطاقة بنسبة تتراوح بين 10 و15بالمئة في بعض القطاعات، ولا سيما في الأسواق التي تشهد نشاطاً ليلياً كثيفاً.

ويرى أن الهدف ليس التضييق على النشاط الاقتصادي، بل إعادة تنظيمه بطريقة عقلانية تراعي قدرة الشبكات الخدمية الحالية، مؤكدا أن التطبيق سيتم بمرونة وتدرج خلال الفترة الأولى.

سوق مضغوط وسلوك استهلاكي متبدل

من الناحية الاقتصادية يحمل القرار وجهين متناقضين حسب الخبير الاقتصادي رؤوف مبيض، مضيفا: فمن جهة يتوقع أن يسهم في خفض النفقات التشغيلية لدى أصحاب المحال من كهرباء وأجور إضافية وهو ما ينعكس إيجاباً على تقليص التكاليف العامة.

لكن في المقابل، يحذر من أن تقليص ساعات العمل قد يؤدي إلى تراجع المبيعات اليومية بنسبة 15 إلى 30 بالمئة في بعض القطاعات، خصوصا تلك التي تعتمد على النشاط المسائي كالمطاعم ومحال الألبسة والهدايا.

ولفت الخبير مبيض إلى أن القرار يعبر عن محاولة لإدارة الموارد الشحيحة بطريقة أكثر كفاءة، لكنه يشير إلى أن الاقتصاد الدمشقي يقوم على قطاع الخدمات والمبيعات المباشرة، وأن أي تغيير في زمن العمل قد يربك دورة السوق في المدى القصير.

المدينة التي تغير إيقاعها

من الناحية الاجتماعية، يشكل القرار تحولاً في نمط الحياة الدمشقية وتضيف الباحثة الاجتماعية إيمان أبو محمد: المدينة التي كانت تتنفس في ساعات الليل ستغدو أكثر هدوءاً وأقل صخباً ما قد ينعكس إيجاباً، على الراحة العامة وتخفيف الازدحام، لكنه في الوقت نفسه يحد من النشاط الاجتماعي والترفيهي الذي يعد متنفساً رئيسياً لكثير من السكان، فالقرار يتجاوز الجانب التنظيمي إلى بعد ثقافي أعمق، لأنه يغير العادات اليومية للمواطنين، موضحة أن من يسكن دمشق اعتاد حياة ليلية نابضة تشكل جزءاً من هويته المدنية، ومن الصعب التكيّف السريع مع إيقاع النهار فقط.

استثناء يحمل القلق

بعض أصحاب المحال أبدوا ارتياحاً لفكرة تحديد الدوام، معتبرين أنها تساعد على تنظيم الجهد وتقليل التكاليف، فيما عبر آخرون عن قلقهم من انخفاض المبيعات وتراجع حركة الزبائن في الفترات التي كانت سابقاً الأكثر نشاطاً.

كما لوحظ أن بعض المتاجر الكبرى بدأت بإعادة ترتيب مواعيد عملها لتناسب القرار الجديد فيما اتجهت مطاعم ومقاهٍ محددة إلى التركيز على عطلة نهاية الأسبوع لتعويض الانخفاض في المبيعات اليومية.

آخر الأخبار
بعد رفع تعرفة الكهرباء.. هل ستتحسن التغذية؟   بيع الكهرباء بأسعار منخفضة يشل قدرتها على التطوير والصيانة       عصمت عبسي: العشائر ترفض قسد وتطالب بالعودة إلى كنف الدولة    من الرهان إلى النهضة   دمشق تنام مبكرا.. فهل تنجح في إعادة هيكلة ليلها التجاري؟  تعرفة الكهرباء .. ضرورات الإصلاح والواقع المعاش  فاتورة دعم الكهرباء كبيرة جداً ولا بد من تصحيحها رئيس الغرف الزراعية: إتاحة المجال لقطاع الأعمال للقيام بالاستثمار والتنمية إدارة منطقة منبج تنفي شرعية ما يسمى بـ " نقابة المعلمين الأحرار " انتهاكات "قسد" المستمرة تهدد بانهيار اجتماعي في الجزيرة السورية "التأمين والمعاش" بحمص ..طابق مرتفع وكهرباء بـ"القطارة" ..! رفع تعرفة الكهرباء بين ضرورات الاستدامة والضغوط المعيشة  مستشفى الصنمين... بين نبض الحياة وغياب القرار! "المستهلك المالي" يحتاج إجراءات مبسطة تناسب المواطن العادي الموجه الأول لمادتي الفيزياء والكيمياء: تفعيل المخبر المدرسي وإدخال "الافتراضي" خروقات "قسد" المستمرة.. انتهاكات بحق المدنيين تتجاوز اتفاق الـ10 من آذار  بعد رفع أسعار الكهرباء.. صناعيون يطالبون بالتشاركية لإنقاذ القطاع  التسوق الإلكتروني.. فرصة اقتصادية أم تهديد للمتاجر الصغيرة؟ تفعيل دور القضاء في السياسات التعليمية  الإصلاح والواقع المعيشي.. خياران أحلاهما مر  أمام  قرار رفع الكهرباء