الثورة ــ مها دياب:
يشهد معرض إعادة إعمار سوريا زخماً متزايداً في المشاركة العربية والدولية، حيث تتوافد شركات من مختلف القطاعات لتقديم خبراتها ومنتجاتها دعماً لمرحلة التعافي الوطني.
هذا الحدث لا يُعد مجرد منصة تجارية، بل يمثل مساحة استراتيجية لتبادل الرؤى وبناء شراكات طويلة الأمد بين الفاعلين المحليين والدوليين، في سبيل إعادة بناء البنية التحتية السورية وتعزيز التنمية المستدامة.
دعم عماني لسوريا
أحد المشاركات البارزة.. شركة “جندال صحار للحديد والصلب” العمانية، فقد قدم أحمد المقبالي، مساعد المدير في قسم التسويق والمبيعات عرضاً شاملاً ومفصلاً عن قدرات الشركة الصناعية، مؤكداً أن المشاركة في المعرض تأتي من منطلق أخوي وإنساني قبل أن تكون تجارية.
وأوضح أن الشركة تضم ستة مصانع رئيسية، من بينها مصنع للاختزال المباشر لإنتاج الحديد الإسفنجي، ومصانع لصهر ودرفلة الحديد، وإنتاج كريات الحديد والسيليكون والمغنيزيوم، إلى جانب رصيف بحري خاص يُستخدم لتصدير المنتجات واستيراد المواد الخام.
وأشار إلى أن ما يميزهم هو اعتمادهم الكامل على المواد الخام النقية، حيث يتم استخلاص الأكسجين من خام الحديد وإضافة الهيدروجين لإنتاج مادة خالية من الشوائب والغازات غير المرغوب فيها، ما يجعلها من أقل المنتجين بصمة كربونية في قطاع الحديد على مستوى المنطقة.
كما تحدث عن التوجه الاستراتيجي للشركة نحو الطاقة النظيفة، من خلال الاستثمار في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، ضمن خطة توسعية في منطقة الدقم بسلطنة عُمان.
وأكد أن منتجات الشركة، مثل أنابيب النفط والغاز وحديد التسليح، حاصلة على شهادات اعتماد من مختبرات دولية في أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا، وقد لاقت إعجاباً كبيراً من المهندسين والمقاولين السوريين الذين أبدوا اهتماماً بالتعاون المستقبلي.
وتُجسد مشاركة سلطنة عُمان في معرض إعادة إعمار سوريا موقفاً أخوياً واستراتيجياً يعكس التزاماً حقيقياً بدعم جهود التعافي الوطني.
فقد حرصت الشركات العُمانية، على تقديم نموذج صناعي متكامل يجمع بين الجودة العالية والاستدامة البيئية، في خطوة تهدف إلى المساهمة الفعلية في إعادة بناء البنية التحتية السورية.
وقد أشار المقبالي إلى أن الشركة تدرس حالياً إمكانية فتح فرع محلي في سوريا، يكون بمثابة نقطة انطلاق لتوسيع عملياتها وتقديم الدعم الفني واللوجستي المباشر لمشاريع إعادة الإعمار.
هذا التوجه يعكس رغبة حقيقية في الانتقال من مرحلة العرض إلى مرحلة التنفيذ، عبر تأسيس حضور دائم في السوق السوري، وتوفير منتجات الحديد والصلب المعتمدة دولياً بأسعار تنافسية، مع ضمان أعلى معايير الجودة والاستدامة.
كما يُعد فتح فرع محلي خطوة مهمة نحو تعزيز التكامل الصناعي العربي، وتفعيل دور القطاع الخاص في دعم الاستقرار والتنمية في سوريا، بما يتماشى مع رؤية سلطنة عُمان في دعم الأشقاء في مراحل التعافي والبناء.
واختتم حديثه بتوجيه الشكر للشعب السوري على حسن الاستقبال، قائلاً: “الشعب السوري شعب مضياف، يحب العمانيين، ونحن هنا لنكون جزءاً من إعادة بناء وطنهم، بكل ما نملك من خبرة وإمكانيات”.
نحو السوق السوري

ومن الجانب التركي، شارك نويان فرحان، مدير الفرع التركي لشركة “يورو كونسلت”، وهي شركة استشارية رائدة في مجال إدارة المشاريع والتصميم والإشراف الهندسي.
وقد قدم فرحان رؤية متكاملة حول دور شركته في دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، مستنداً إلى خبرات سابقة في مناطق ما بعد النزاع، مثل بيروت بعد الحرب الأهلية، وباكو عاصمة أذربيجان بعد الحرب، حيث ساهمت الشركة في تقييم الأضرار وإعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية.
عرف عن الشركة بأنها تقدم “الاستشارة النقية”، أي الاستشارات المستقلة غير المرتبطة بأي جهة تنفيذية أو مقاول، ما يمنحها حيادية ومهنية عالية في تقديم خدماتها. وتغطي خدماتها مجالات متعددة تشمل إدارة المشاريع، إدارة التصميم، الإشراف على التنفيذ، وتقديم حلول استراتيجية لمشاريع صناعية كبرى مثل المصانع والمنشآت الإنتاجية.
وأوضح فرحان أن الشركة لا تكتفي بالمشاركة الرمزية، بل تسعى إلى تأسيس وجود فعلي في سوريا من خلال التعاون مع شركات استشارية محلية، وتأسيس شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية والمستثمرين المحليين والدوليين.
وأكد أنهم في طور الدراسة بجدية لفتح مكتب دائم في سوريا، يكون بمثابة مركز إقليمي لتقديم خدماتها الهندسية، وتوسيع نطاق أعمالها في السوق السوري الذي يشهد فرصاً واعدة في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والإسكان.
وأشار إلى أن الشركة تلقت إشارات واضحة من الشركاء المحليين بأن قطاع الطاقة الكهربائية يُعد من أبرز الأولويات، وهو ما دفعهم إلى التركيز على تقديم حلول تقنية واستشارية متقدمة في هذا المجال، بما في ذلك إدارة مشاريع محطات التوليد، وتحديث شبكات التوزيع، وتقديم دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية.
وفي حديثه عن انطباعه الشخصي، قال فرحان: ” رغم التغيرات الأليمة، ما زلت أرى في عيون السوريين إيماناً عميقاً بوطنهم. هذه الروح الحية هي أساس أي عملية إعادة بناء ناجحة.”
وأضاف: “كمهندس، أؤمن أن المشاريع الهندسية وحدها لا تكفي. سوريا تحتاج أيضاً إلى مشاريع اجتماعية تُعنى بشفاء النفوس وتعزيز التفاهم المجتمعي، والإعمار الحقيقي لا يقتصر على البنية التحتية، بل يشمل الإنسان أيضاً.”
واختتم حديثه بالتأكيد على أن سوريا تعتبر شريكاً استراتيجياً طويل الأمد، وأنهم مستعدون لتقديم خبراتهم المتراكمة في خدمة عملية إعادة الإعمار، ليس فقط كمزود خدمات، بل كشريك في التنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
وتكشف هذه المشاركات عن إدراك متزايد لدى الدول العربية والإقليمية والدولية لأهمية دعم سوريا في مرحلة التعافي، ليس فقط من منطلق اقتصادي، بل أيضاً من منطلق إنساني واستراتيجي.
فالتجارب العُمانية والتركية تعكس نماذج مختلفة ومتكاملة، تجمع بين الصناعة المستدامة والخبرة الاستشارية في إدارة المشاريع.
إن مستقبل إعادة إعمار سوريا يعتمد على بناء شراكات حقيقية، تستند إلى الثقة المتبادلة، ونقل المعرفة، وتكامل الجهود بين الداخل والخارج. ومع استمرار هذا الزخم في المعارض واللقاءات، تتعزز فرص بناء سوريا جديدة، أكثر صلابة واستدامة، تستعيد مكانتها في المنطقة وتفتح آفاقاً واعدة للتنمية والاستثمار.