الثورة أون لاين – تحقيق- سهيلة إسماعيل:
آمنوا بحب مدينة حمص، بالحب الخالص ، فهي مدينتهم شربوا من مائها وعاشوا في أحيائها بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم ومستوياتهم التعليمية ، فأحبتهم المدينة كما أحبوها، وأحبوا أن يترجموا هذا الحب عملاً منفرداً ومتميزاً على أرض الواقع ، وقبل كل شيء آمنوا حتى العظم بفكرة العمل التطوعي سواء كان ثقافيا أو اجتماعياً، فانطلقوا مع المخرج المسرحي الفنان سامر إبراهيم أبو ليلى من فضاء حمص الثقافي الذي تضمن عدة فعاليات وحمص مطرزة بالحكايات وانتهوا بمبادرة “حمص يا دار السلام”
*بداية الطموح..
بدؤوا بتجميل إحدى الحدائق في حي ضاحية الوليد جنوب مركز المدينة وزخرفة الجدران الموازية للحديقة، ولن يقف طموحهم عند التنظيف والتجميل بل سيتعداه إلى تحويل الحديقة إلى مسرح تُفدم فيه النشاطات والفعاليات الثقافية وخاصة للأطفال واليافعين. ليكرسوا بذلك فكرة العدوى الإيجابية وجمال المكان الذي يسمو إلى جمال الروح.
* المتطوعون ونشر الجمال..
نقترب من المتطوعة “سمية البيروتي” وهي مدرسة لغة إنكليزية من حي باب الدريب لتقول إن الفنان سامر إبراهيم شجعها على العمل التطوعي فكانت البداية من مبادرة إحياء هوية حمص الثقافية، واليوم تتمنى كما يتمنى فريق العمل أن تُعمم التجربة في مختلف أحياء حمص، فهل هناك أفضل من نشر الجمال والمحافظة على نظافة مدينة عانت الكثير؟
أما المتطوعة “تغريد الصالح” وهي من حي كرم شمشم وموظفة في مديرية الزراعة فقالت : أنتمي لفضاء حمص الثقافي وأشارك في المبادرة بعد الظهيرة , وأنا مؤمنة بفكرة العمل التطوعي، لأن يداً واحدة لا تصفق، فنحن وبالتعاون مع الجهات المعنية يداً بيد يمكننا أن نقدم شيئاً ما لمدينتنا،وقد شاركت في أكثر من مبادرة، ونحاول من خلال عملنا أن نحول المساحات الخالية إلى مساحات نظيفة وجميلة لأطفالنا، فربما يأتي أولادي للعب هنا رغم أنني لست من سكان الحي، ونحن مستعدون للعمل في أي حي من أحياء مدينة حمص. وأضافت بأنها تصادف في محيطها من يشجعها ويثني على التجربة, وبالمقابل هناك من يسأل: ولماذا التعب؟ أي إننا بحاجة لنشر ثقافة العمل التطوعي في مجتمعنا لتقديم الأفضل والأجمل دائماً.
*منحوتة لطفلين..
بدوره الفنان النحات إياد بلال قال : تعود بي الذاكرة إلى تفجير مدرستي عكرمة المخزومي وعكرمة المحدثة حيث قدمت بعد فترة عملاً له علاقة بأطفال المدرستين ،واليوم قدمت ضمن مبادرة حمص يا دار السلام منحوتة لطفلين أحدهما ذاهب إلى المدرسة والثاني متسرب من المدرسة ويقدم باقة ورد لزميله للدلالة على أن الأطفال المتسربين لديهم ظروفهم الخاصة ، ولم يتسربوا بإرادتهم ، وقد أردت خلق حوار بين الطرفين, والدافع لمشاركتي في المبادرة حبي للفكرة وإعجابي بها ، كما أن هذه المدينة هي في النهاية مدينتنا وعلينا أن نهتم بالشارع والحديقة والجدار ، وإذا لم نبادر نحن المثقفين من شعراء وفنانين ومسرحيين وكتاب فإن الإنسان العادي لديه همومه ومشاغله الخاصة،وليس بمقدوره الاهتمام بهذه القضايا،ومن هذا الباب جاءت مبادرة الفنان سامر أبو ليلى، فهي تنطوي على خلفية ثقافية أخلاقية جمالية سامية، وربما تكون الظاهرة غريبة بعض الشيء عن مجتمعنا، فالمواطن اعتاد على الاهتمام بجمال ونظافة منزله مقابل إهمال الشارع وكل ما هو في الخارج, فما المانع من تجميل حديقة وتأهيلها أو تطويرها لتصبح مكاناً لعامة الناس وليس لأجلنا فقط، وقد حاولت أن أقدم شيئاً له علاقة باختصاصي “نحت نصب في الساحات والحدائق” : وأتمنى أن تُعمم التجربة في ساحات وحدائق حمص جميعها.
*الحب ورد الجميل..
وأخيراً نقترب من السيد سمير إبراهيم وهو متقاعد- ويساعده ابنه بسام الخريج من كلية الصيدلة، حيث يقوم ببناء سور من البلوك حول الحديقة ليترجم لنا عمله بكلمات مليئة بالحب والاعتزاز بما يقوم به، مضيفاً بأن عمله هو أقل ما يمكن أن يقدم لمدينة حمص التي استقبلته بعد تهجيره بسبب الإرهاب من قرية معان . معتبرا أن من أكل من خيرات سورية وشرب من مائها عليه أن يعمل مثله وأكثر فالبلدان والمدن تحب أبناءها كما يحبونها ،ولا فرق سواء كان منزله في حمص أو أي مدينة أخرى لأن العمل التطوعي يقوم على الحب و رد الجميل.
* توطد علاقة المواطن بالشأن العام..
محطتنا الأخيرة مع صاحب المبادرة الفنان سامر إبراهيم أبو ليلى ليخبرنا أن مبادرة حمص يا دار السلام مبادرة أهلية تعتمد على مجموعة من الشباب وأهالي حي ضاحية الوليد بالتعاون مع مجلس المدينة وشركة محلية. فأنا كمخرج مسرحي أعمل في مدينة حمص منذ سنوات ، لمست أن هناك حاجة ماسة في المدينة لإعادة العلاقة بين المواطن والشأن العام، فالمواطن وبسبب الأوضاع الاجتماعية وضغوط الحياة والحرب، أهمل بلده ومرافقها العامة، ولأن جانبا مهماً يقع على عاتق المواطن ومن المفترض أن يؤديه مثلما تقدم الدولة الخدمات، وهذا الجانب بحاجة
للتوضيح والتوطيد والمبادرة الفعلية، ومن هنا كان تفكيرنا منذ العام 2016 أن نضيف لعملنا في مجال المسرح والتدريب المسرحي بعداً مجتمعياً.حيث انطلقت بمشروع فضاء حمص الثقافي منذ العام 2010, وكان عملي مع الفريق ثقافيا بحتا ،لكن وبسبب الأوضاع والظروف التي تعرضت لها مدينة حمص ،فكرنا بالمبادرة . فحمص يا دار السلام تحكي عن مكان من المفترض به أن يكون حديقة لكنه تحول مع الأيام إلى مكب للنفايات والأنقاض ، ونحن كمواطنين نمر قرب المكان نمر كمواطنين وليس كفنانين ومسرحيين أو شعراء أو أطباء ، ولنا دور نجرب تفعيله وقد نكون نجحنا في مكان أكثر من مكان آخر، وسنتابع تأدية دورنا ،وعندما نرى أن العديد من الأطفال يبادرون إلى العمل معنا فإننا على يقين أننا نؤسس لجيل يهتم بالشأن العام،فالحدائق والشوارع والساحات لنا في نهاية المطاف ، مع أن النظرة السائدة عند الغالبية أنها للدولة والدولة هي المكفلة بها. وأنا هنا أتكلم كمواطن له دور بوسعي القيام به فلمَ لا ،وقد شعرت أن هذه الحالة الإيجابية تسبب العدوى ، فأنا أؤثر بخمسة أشخاص وهم يؤثرون بعشرين شخص ، والعشرون يؤثرون بمئة آخرين وهكذا، فنحن نسوق لثقافة تحمل قيمة جمالية وفنية ، وفي النهاية فإن حمص يا دار السلام هي دعوة لبناء دار يسودها السلام ، وأي دار حتى يسودها السلام يجب أن تكون نظيفة ومليئة بالحب والأخلاق والتعاون ،إن جزءاً كبيرا مما حدث في بلدنا هو نتيجة تراكم سنوات من غياب العمل التربوي الصحيح ، فكل فرد يمكنه أن يؤدي دورا حسب استطاعته ، وأصبح عدد المتطوعين حتى الآن 100 متطوع.