الثورة أون لاين – رياض طبرة:
أين المشكلة؟.. سؤال نراه مشروعاً حول الثقافة والمثقفين، وهذا العزوف عن كل ما يتصل بالثقافة، إلا القليل القليل الذي يفرض نفسه عنوة علينا جميعاً.
وعلى الرغم مما يحمله السؤال من مؤشرات غير إيجابية وذات دلالة على مرحلة ما قبل العمل فإن الغاية هي تلمس الوسائل القادرة على جلاء الموقف من جهة والحض على المباشرة في التصدي للواقع بهدف تغييره نحو الأفضل، وليس نحو ما كان عليه.
فما كان عليه المشهد الثقافي لم يكن في يوم من الأيام يلبي طموحنا… بل كان مشهداً تعويضياً، وبدلاً عن مشهد ضائع نحلم بعودته أو بتكونه.
سأزعم أن المشكلة تكمن في عدم جدوى الثقافة والمعرفة والشهادات والوظائف وغيرها، وأن الجدوى تكمن في امتلاك القوة وحدها..
فيكفي أنك قوي حتى تخضع جميع من حولك، وتمتلك ما تشاء، تزيد من ثروتك وتقترب من الموقع القادر على توليد ذاته.
بمعنى آخر الثقافة ليست طريقاً أو محطة للجاه والثروة والسلطة، هي منصة للمعرفة وموقف متجدد من الحياة ورغبة أكيدة في تقديم الخير والفضيلة والجمال، وصولاً إلى الحرية والعدالة ومجتمع النقاء والبهاء، أي إنها دربنا إلى عالم موجود في الذهن أكثر منه في الواقع.
فما الذي حدث ؟ هل اكتشف سعاة المعرفة والمثقفون عدم جدوى كل شيء من حولهم فأحبطوا بفعل واقع مرّ فراحوا يشيعون الإحباط من حولهم.
قبل مائة عام كان الانسان في بلدنا يستمد قوته من مكانته الاجتماعية والاقتصادية وليس المعرفية أو الثقافية باستثناء شقها الديني لا غير.
لكن انتشار التعليم واحتياجات (الدولة ) بدل شيئاً من المشهد إذ امتلك المتعلم وبالتالي المثقف مكانة لم تكن له من قبل، وتراجعت مكانة الملاكين والتجار وقوى المجتمع التقليدية أمام انبهار المجتمع بالطبيب والمهندس والمدرس والضابط والكاتب والشاعر والقاص والناقد.
وصار المقتدرون مادياً يتزاحمون على إرسال أبنائهم إلى جامعات الغرب والشرق لنيل الشهادات العليا ما أعطى للمعرفة زخماً كبيراً، وقدم للثقافة حافزاً بحيث صار المجتمع يقبل بالفن والفنانين وبالرسم والرسامين، وربما صار يسعى إلى أن يجد الطامعون بالشهرة مكاناً لهم في هذه التفصيلة المهمة في الثقافة…
كان كل ذلك يسير مترافقاً مع توجه عام لإعلاء شأن الثقافة وإبقائها كنزاً وملاذاً للمجتمع لضبط حركة التقدم إلى الأمام، ومخزناً نعود إلى مكنوناته كلما ألم بالمجتمع ملمة.
لكن ما حدث في الحرب وما هو أمامنا اليوم لا يرضي أحداً إذ بات الحديث المادي سيد الموقف، والكثيرون يضحكون في سرهم وفي علنهم من الثقافة والمثقفين فيما كل ما حولنا يدعونا إلى أن نعلي من شأن الثقافة والمثقفين ليلعبوا دورهم المطلوب والضروري في كشف زيف الواقع وآنيته، وأنه إلى زوال وأن المثل الذي كنا على الدوام نسمعه: لا يصح إلا الصحيح.. صحيح.. صحيح