الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
في كتاب الجيب هذا ورغم تواضع حجمه قد بدا لي منهلاً للأدب والفكر، ولاسيما أن مقدّمة الكتاب الأديبة فلك حصرية تحتفي بأبي الطيب المتنبي أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، فهو الذي حجز مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من الشعراء، حتى وُصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء، وهو ما حاولت حصرية أن تضيء عليه من خلال بحثها عما كتب عنه، فاختارت مجموعة من أعلام الفكر والثقافة والنقد الذين تناولوا شخصية المتنبي في شعره والغموض فيه، تحليل لبعض نواحي حياته، وضعف العاطفة الدينية عنده، بين محاسنه ومباذله، جنون العظمة.. مرض نفسي أم فضيلة خلقية، الحياة الفنية في عصره، ماذا بقى من آثارها؟ نبي في بلاد الوحي لا يوحى إليه، هل كان المتنبي فيلسوفاً؟ سر الاحتفال بالمتنبي وغيرها من العناوين التي أغنت كتاب الجيب ” أبو الطيب المتنبي حياته وشعره “الذي أصدره اتحاد الكتاب العرب.
جاهد المتنبي في حياته فزاحم ونازع وطاعن فكانت هذه الحياة المملوءة بالجهاد والمزاحمة والمنازعة والمطاعنة ملء شِعره، فهو لم يصف هذا النوع من العيشة إلا بعد أن جرّبه، وقاسى أهواله، ولقي ما لقي فالحياة التي يريدها أبو الطيب إنما هي الحياة المسالمة من كل راحة ومن كل ضيم، فلم تثر المناظر الطبيعية والعمران والقفار والرياض والقصور والآثار قريحة المتنبي، ” فإذا تأملنا شعر المتنبي وجدته كأكثر الشعر العربي معنياً بالوصف الحسي دون الخيالي، ويتناول المناقب البشرية والمشاهد الطبيعية والعمرانية وقاع الحرب والفروسية وهو عادة دقيق جيد الديباجة يثير العاطفة ويبهجها ” وفقاً لما ذكره الأستاذ أنيس مقدسي، أما المناقب البشرية يدخل فيها المديح والغزل والفخر.
وأورد نفسي والمهند في يدي موارد لا يصدرن من لا يجالد
في حين يتعجب الأستاذ سليم عبد الأحد تحت عنوان” تاجر من تجار الأدب” أن شاعراً فذاً كأبي الطيب المتنبي لم ينزه قلمه عما يجب أن تعف عنه النفس، بل وقف قريحته على مدح الأمراء والأغنياء طمعاً في نوالهم، فإذا أجزلوا له النوال أجزل لهم الثناء، وإذا طووا عنه الكشح قلب لهم ظهر المجن وسلقهم بألسنة حداد، ذلك لأن عرض الدنيا كان في نظره كل شيء، فلا شرف ولا مجد ولا جاه ولا سلطان إلا لمن وفرت أمواله واتسعت ثروته وليكن خلقه كيف كان!
فلا مجد في الدنيا لمن قلّ ماله ولا مال في الدنيا لمن قلّ مجده
وفي هذا ما يذكرنا بالقول المأثور عن نابليون: ” إن المال عصب الحرب”، على كل فقد كان حرص المتنبي على المال مضرباً للأمثال.
وعن “شهرة العظمة والفن الخالد” أرّخ الأستاذ محمد محمد توفيق ” إن المتنبي هو الشاعر العربي الوحيد الذي كان لا يتهيب الأمراء بل يدخل عليهم ويخاطبهم مخاطبة الند للند والصديق للصديق، وقد روى أنه كان ينشد الشعر وهو جالس أمام سيف الدولة وأن طاهراً العلوي أجلسه على سريره وجلس بين يديه وهذا نصر عظيم للشاعر وللشعر نفسه، فقد بيّض المتنبي وجهه بعد أن سوده الشعراء المادحون المستضعفون”.
أفي كل يوم تحت ضبني شويعر ضعيف يقاويني، قصير يطاول؟
بينما يتساءل الدكتور محمد حسين هيكل بيك، يعنى عالم اللغة العربية هذا العام بإقامة حفلات لمناسبة انقضاء ألف عام على وفاة أبي الطيب المتنبي ، على حق كل إنسان يسأل : أفتقام حفلات المتنبي هذه في الشام والعراق ومصر تقديراً للأثر الشعري الذي تركه المتنبي في الحياة؟ أم هي تقام تقليداً للحفلات التي أقيمت لمناسبة انقضاء!،، وكيف لا يستفز شعر المتنبي الشباب مثل قوله:
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
أرادت الأديبة فلك حصرية في بحثها أن لا تخوض في المضامين التي أوردها هؤلاء المفكرون المتعمّقون في شؤون الأدب والشعر والحياة وغيرها من المسائل والنقاط المهمة ولو فعلنا لوجدنا أن أبا الطيب المتنبي، حلّ في هذا الكتاب أو كانت الدراسات التي تناولته على أيدي هؤلاء الأعلام الشهيرين إنما تستهدف شخصيته الشعرية التي تعرفناها من تاريخه، وتاريخ عصره وقد كان عصره عصر مغامرات ودعاوى سياسية ودينية، وخصومات مذهبية، وشكوك جاءت من التفكير والاطلاع، وشكوك جاءت من اللجاجة في المناقشة والحوار.
وهنا لابد من الإشارة إلى أسماء المفكرين والنقاد الذين أغنوا الكتاب، فقد كتب كل منهم في مجال يختلف فيه عن الآخر، متناولاً منحى أراده هو وأحب أن يعمّق في مضمونه أو الإضافة إليه، وهم (عباس محمود العقاد ـ د. محمد حسين هيكل ـ أحمد محرم ـ أحمد أمين ـ خليل مطران ـ علي الجارم ـ د.زكي مبارك ـ سامي الكيالي ـ عيسى اسكندر المعلوف ـ شفيق جبري ـ أنيس مقدسي ـ محمد شوكي التوني ـ حسن محمد الهواري ـ عبد الرحمن صدقي ـ طاهر أحمد الطناحي ـ الأمير شكيب أرسلان ـ سليم عبد الأحد ـ محمد محمد توفيق ـ علي أدهم ـ محمد مظهر سعيد ـ البرقوقي ـ نقولا الحداد )