الثورة أون لاين – غصون سليمان:
على موعد مع القدر كان الأجل محتوماً، لم تدرك النفوس الطيبة أن ساعة الغدر قرنت عقاربها، ونصبت شباكها على حوافي طريق العمر ذهاباً واياباً..
عمال وموظفون من مرتبة شرف كانوا هدفاً في العشرين من تشرين الأول لعام ٢٠٢١، ارتادوا مبيتهم العائد لمؤسسة الإسكان العسكرية سنين من تعب وعمل وحصار وقذائف على الطرقات، وما بدلت إرادتهم تبديلا.. اجتازوا كل خطوط الشغب، وتحدوا ويلات السنوات العشر من الحرب العدوانية على سورية، لم يكونوا في مأمن عن استهداف المجموعات الإرهابية، وهم المنتجون الحالمون بغد سورية الأجمل..
استيقظ الصباح على كوابيس وأحلام الأمهات والزوجات والأبناء على دليل وإحساس قلوبها ،لتعلن العاصمة دمشق في ساعات فجرها الأولى هول الحدث والمصاب بحق أبنائها وعمالها وموظفيها على امتداد ساحة الوطن تفجير إرهابي غادر اعتدنا عليه منذ ثمانينات القرن الماضي، فما زال الأمس القريب والبعيد شاهداً على أفعال الإرهابيين والمجرمين من الإخوان المسلمين وغيرهم حين اقدموا على حرق حافلات الركاب من باصات وغيرها، وهي متوجهة من دمشق إلى المحافظات، في ١٧ نيسان منتصف الثمانينات حيث فجع الشعب السوري بالمئات من أبنائه طلاباً وأطباء ومهندسين ومحامين وعمال وجنود وغيرهم، لم ننس تفجير شارع الثورة وحي الازبكية والآمرية وجسر الرئيس.. ناهيك عن اغتيال الخبرات والكفاءات الوطنية من علماء ومفكرين وباحثين في المجالات العلمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
فقد تمكن الشعب السوري بجيشه وأمنه وقيادته أن يجتث جذور الإرهاب والإرهابيين في تلك الفترة، ويطهر الأرض من دنسهم وعهرهم وأدوات قباحتهم.
ولطالما سورية التي بنت نفسها بنفسها واعتمدت على ذاتها وطاقات أبنائها ومقدرات أرضها وثرواتها فقد اجتازت الكثير من الصعوبات والعقبات، وبنت مجدها وعزها كمعادلة صعبة لايمكن تجاوزها على مستوى العالم.
فحالة التطور والتقدم التي وصلت إليه سورية، إضافة إلى دورها المحوري والمتوازن في المنطقة، إلى جانب دعمها لقوى المقاومة في مواجهة الكيان الإسرائيلي الغاصب، فإن ذلك لم يرق إلى أعداء سورية، فما كان من النظام الإرهابي العالمي والإقليمي إلا أن اعاد كرة العدوان بأساليب وأدوات أكثر إجراماً وبشاعة على مدى السنوات العشر الماضية، حيث أغرقت سورية بالدماء.
وارتكبت المجموعات والعصابات الإرهابية أفظع المجازر والتفجيرات دون استثناء للمباني والمؤسسات الحكومية والمرافق العامة في جميع المحافظات، لكنها لم تركع ولم تستسلم بقيت شامخة كشموخ جبالها رغم حجم الوجع والألم والمآسي لفقد الأبناء والأحبة، وتدمير البنى التحتية وسرقة الكنوز والثروات.
هي الحرب اللعينة، والحقد القاتل، والانتقام من الانسان السوري العظيم، المؤمن بحقه، الصامد في وطنه، المحب لأرضه، العاشق لكيانه، الصابر على الأذى والبلاء نتيجة تداعيات حرب ظالمة أكلت الأخضر واليابس، وطحنت في طريقها كل سبل الحياة والحضارة، ومع ذلك لم يشبع داعموا القتل وعملائهم من الخونة بعد، من أرواح السوريين وأجسادهم، لنفجع كل يوم بكوكبة من قناديل النور، عسكريين ومدنيين.
فوجعي على وطني قديم كالزمان، كما يقول مظفر النواب.
رحم الله شهداء الوطن وتلك الأرواح التي حلت بفنائه.. وندعو الله الشفاء العاجل لجرحانا.
سورية المنتصرة بدماء شهدائها، يتجدد فجرها عزاً وفخارا رغم أنف الحاقدين مع إشراقة كل صباح حيث حبال الشمس الملونة ببياض الياسمين، وعطر بخور المقابر، ومآذن الدعاء ترتل باسم سورية، باسم الشهداء، باسم الحياة