هيئة الكتاب ومجمع اللغة العربيّة … “تعاونٌ مثمر”

الثورة  – د. ثائر زين الدين:

صدر هذا العام ضمن مطبوعاتِ الهيئة العامة السوريّة للكتاب عملٌ على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة هو “معجم العبارات الاصطلاحيّة في اللغةِ العربيّة المعاصرة / ثلاثي اللغات: عربي – إنكليزي – فرنسي”، وقد وضعَهُ ثلاثةٌ من أهم الباحثين في هذا المجال: د. ممدوح خسارة، د. لبانة مشوّح، د. مروان المحاسني، وهم أعضاءٌ في مجمع اللغةِ العربيّة في دمشق.
صدر العملُ حصيلةَ تعاونٍ مثمرٍ بين مجمع اللغة العربيّة وهيئة الكتاب؛ فقد عمل الأساتذة المؤلفون لسنوات على وضعه بتكليفٍ من مجمع اللغة العربيّة حتى إذا حانت لحظةُ الطباعة وجد المجمعُ نفسه غير قادر على طباعةِ هذا العمل الضخم، فَعَهِدَ بذلك إلى هيئة الكتاب، التي لبّت الدعوة لأهميّة الكتاب للمترجمين والباحثين وطُلّابِ بعض فروع الجامعة، واستطاعت – رغم ظروف عملها الصعبة حالياً – أن تطرح الكتاب بين أيدي القرّاء في وقتٍ قصير.
يعرفُ المترجمون أكثرَ من غيرهم أهميّة هذا المعجم؛ فأنا أذكر من تجربتي في ترجمةِ بعض الأعمال الروسيّة إلى العربيّة صعوبة أن تقفَ أمام بعض العبارات فتفهم كلماتها كلها لكنكَ لا تستطيع أن تقبض على معناها العام؛ ذات يوم كنتُ أترجمُ عملاً روائيّاً فواجهتني عبارة تصف شخصيّة من شخصيات الرواية؛ تقول: “لا يستطيعُ أن يضفِرَ أغصان الزيزفون”، وكان السياقُ لا علاقة له بالزيزفون أو غيرِهِ” من الأشجار والنباتات، وكنت قد اقتنيت معجمَ “العبارات الاصطلاحيّة” الذي وضعه باحثون سوفييت منذُ سبعينيات القرن الماضي، فلجأتُ إلى المعجم أبحث: لعلّ هذهِ الجملة من العبارات الاصطلاحيّة وما شابهها، فإذا بي أعثُرُ على المعنى المرجو… كانت العبارة تعني أن الرجلَ قد تعتعتُهُ الخمرةُ؛ إنّه سكران؛ فلا يستطيع أن يجدلُ أغصان الزيزفون…
ومَرّةً أخرى بحثت عن معنى عبارةٍ تقول: “ولِدَ فُلانٌ في قميص”؛ فوجدتُ أنها تعني في العربيّة ما تعنيه تماماً عبارتنا المعروفة: “ولدَ وفي فمِهِ ملعقة من ذهب”…
إذاً نحن أمام معجمٍ مهمٍ جداً للدارسين والباحثين والمترجمين ولا سيمّا أنّه معجم ثلاثي اللغات، مداخِلُهُ عربيّة ومزوّد بمسردين إنكليزي وفرنسي، لتسهيل العمل على المترجمين والباحثين، والمعجمُ أوسَعُ من حيث المحتوى من المعاجم التي سبقتهُ في بابه، فقد ضَمَّ أربعةَ آلاف وأربعمئة وثلاثين عبارة اصطلاحيّة جاءت في (728) صفحة من القطع الكبير.
انطلقَ واضعو المعجم من أنّ “العبارات الاصطلاحيّة أصبحت اليوم مكوّناً هاماً من مكوّنات النظام الدلالي في لغتنا، كما هي غيرها؛ إذ لا يمكن فهم معظم الكلام في الحقول المختلفة دون معرفة دلالات عباراتها الاصطلاحيّة؛ إن كثرة تلكَ العبارات وأهميّتها اقتضت جمعها ومَعْجَمَتَها، ليسهل الوصول إليها وإلى معانيها الدقيقة…”
ولن يخفى على المتابعين في هذا المجال تلمّس الأغراض الكامنة وراء تأليف هذا المعجم وهي كما عَبّر المؤلفون:
1- سدُّ فجوة واسعة في المعجميّة العربية، فالمكتبة العربيّة تفتقرُ إلى مثل هذا المعجم المتخصّص.
2- الإسهام في تأريخ اللغة العربيّة: إن معاجمنا المختلفة تمثّلُ صوراً للثقافة العربيّة، ولغتها في زمن وضعها، وهي “لقطات حيّة للمشهد الثقافي والفكري والحضاري في حياة الأمّة”، ما يفترض أن يسعى أبناء هذهِ الأمّة من الباحثين الجادين إلى رصد واقع اللغةِ في زمنهم، والتأريخ لها من حيث تثبيت كلماتِها وتراكيبها وتعبيراتها ومنها العبارات الاصطلاحيّة، التي تعكس نبض اللغة في مرحلةٍ ما.
3- تجسيد مقولة قانون التطوّر الدلالي للكلمات المفردة العربيّة، وكذا للتراكيب المستحدثة، ذلك أنّ للكلمات والعباراتِ حيواتها المتبدّلة من عصرٍ إلى عصر، وهذا ما حاول واضعو المعجم رصده في العبارات التي درسوها.
4- التواصل الثقافي مع الحضارات المعاصرة ولغاتها: ثمّة عشرات العبارات الاصطلاحيّة المستخدمة في مجتمعاتنا جاءَتنا عبرَ الترجمة عن لغاتٍ مختلفة ودخلت حقول السياسة والإعلام والاقتصاد والعلوم المختلفة، فلا غنى اليوم – كما رأى واضعو المعجم- عن رصدها وهي عبارات مُعَوْلمة إلى حد بعيد، ومن ثَمَّ تثبيتها في هذا المعجم وإلّا فسوفَ تغدو مَظنّةَ خلافٍ واختلاف.
وقد استعانَ المؤلفون بمعاجم أجنبيّة مختلفة في هذا السياق.
5- الإسهام في وضع معجم عربي تاريخي:
رأى المؤلفون أن ثمّةَ عبارات اصطلاحيّة بلغت درجةً عاليةً من الشيوع، واحتلَّت مساحة كبيرة من الذيوع، فأصبحَ من الضروري إدخالها في المعجم الحديث لتكون “مكوِّناً من مكوِّناتِ المعجم التاريخي العتيد، ذلك أن المعجم التاريخي هو جماع ما ثَبُتَ في اللغةِ قديماً وحديثاً، فيكون بذلك صورة صادقة عن اللغة في مختلفِ عصورها”.

سيطولُ الحديثُ لو تحدّثنا عن المنهجيّة المتّبعة في وضع المعجم، ولو مَثّلنا لذلك، وهذا ما يجعلني أدعو إلى اقتناء العمل والعودة إِليهِ كلّما دعت الحاجة.

 

آخر الأخبار
وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس