الثورة – رانيا حكمت صقر:
يحمل ” البروكار الدمشقي” في طياته الكثير من الجمال والرسائل العميقة وهو الفن النابع من تراثنا الثري، وما تجسده لوحات الفنانة التشكيلية آمنة العوضي في هذا النسيج الحريري الفاخر بكلّ تفاصيله الدقيقة والملهمة ،هو حكاية البروكار الدمشقي التي تتجاوز كونه مجرد قماش..
فهو رمز أصالة دمشق وهوية تاريخية تتداخل فيها خيوط الحرير مع الذهب والفضّة لتُشكل لوحات فنية تنبض بالحياة، تتمحور حول رموز نباتية وهندسية وطائرالفينيق الذي يعبّرعن الخلود.
هذا ما سردته الفنانة آمنة العوضي لـ”الثورة”، مسترسلة بشغفها بهذا الفن العريق، فهي ترى أن البروكار الدمشقي هو أحد أعظم رموز التراث السوري وهو نسيج حريري فاخر يُصنع يدوياً في دمشق منذ قرون طويلة يتميز بجمال نقوشه وتداخل خيوطه التي غالباً ما تحتوي على الذهب أو الفضة.
فن عابر للزمن”
البروكار الدمشقي ليس مجرد قماش، بل هو قصة نسجها التاريخ بخيوط من الإبداع والأصالة”، وفقاً للفنانة العوضي، مشيرة إلى أنه أكثر من ألف عام اشتهرت دمشق بصناعة هذا النسيج الحريري الفاخر، الذي استخدمه الملوك والنبلاء عبرالعصور.
ويمتاز البروكار بخصائصه الفريدة، فهو مصنوع من الحرير الطبيعي، وغالباً ما تُضاف إليه خيوط من الذهب أو الفضة لتضفي عليه رونقاً ملوكياً، يتميز بنقوشه المتقنة التي تتنوع بين الزخارف النباتية، والأنماط الهندسية، وحتى الطيورمثل طائرالفينيق، الذي يرمز إلى الخلود.
مكانة عالميّة
البروكار الدمشقي أصبح رمزاً للجمال والفخامة، استخدمته الملكة إليزابيث الثانية في حفل زفافها عام 1947، إذ صُنع قماش فستانها في دمشق، هذه الحادثة عززت مكانة البروكار على المستوى العالمي، وجعلت منه أحد رموزالتراث السوري الفريد.
صناعته الفنية المتقنة
صناعة البروكار تتطلب مهارة ودقّة متناهية يتم نسجه على أنوال يدوية تقليدية، ويستغرق إتمام كلّ قطعة وقتاً طويلاً وقد يصل إلى أشهر، بسبب التعقيد والدّقة المطلوبة..
ما يميزه هو أن كلّ قطعة فريدة من نوعها، إذ يبدع الحرفيون في تصميم نقوش جديدة تعكس تقاليدهم وثقافتهم.
أما عن البروكار في لوحاتها تقول العوضي: تحمل روح البروكار الدمشقي ، حاولت استلهام هذا التراث الأصيل ونقله إلى شكل فني بصري، الألوان والنقوش تعكس جمال التقاليد الدمشقية التي تأبى أن تزول، لتبقى شاهدة على عظمة الماضي، في لوحاتي.
أما عن اللون الأحمر بدرجة “دم الغزال” يحمل دلالات قوية تمزج بين الشغف والقوة والحبّ العميق، ليعكس روح التراث الدمشقي وأصالته مع رؤى فنية تعبّرعن العطاء والحياة.
فيما يحكي الأسود قصة الهيبة والصبر، كظل جبل قاسيون الذي يرمز لثبات دمشق وصلابتها، أما خيوط الفضّة فهي كلمسة أمل تضيء في ظلمة الليل وتنير دروب الذاكرة.
مضيفة: ما يميز لوحاتي أنني لا أكتفي بتصويرهذا التراث، بل أعيد إحياءه بطريقة تجعله يعيش ويتنفس من جديد في عوالم فنية معاصرة، تجمع بين التقاليد الخالدة وروح الابتكار.
لوحة البروكار الدمشقي بالنسبة لي ليست فقط فناً جمالياً، بل قصةٌ حية تنبض بالحياة عبر الزمان والمكان، تجمع بين القوة الكامنة في الخفاء وإشراقات جديدة تنبثق من أعماق الأرض والتاريخ.
ولفتت إلى أن الرسالة التي تحملها اللوحة تعكس روح الأصالة والاستمرارية، وتدعو الأجيال لأن تقدّروتهتم بهويتنا الثقافية التي هي منبع الفخر والجمال، وتُبرز كيف يمكن للفن التقليدي أن يكون جسراً يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.. خيوط البروكار المتشابكة تشبه تلاقح الحضارات، وحكايات الأيادي التي نسجتها تزيدها عمقاً وغنى..
“إن لوحة البروكار الدمشقي ليست مجرد عمل فني، بل هي رسالة عبر الزمن تُذكّر الأجيال القادمة بأهمية التراث وجماله الذي لا يُقدر بثمن، إنها دعوة للحفاظ على ما يميّز هويتنا وثقافتنا، لنثبت أن الفن التقليدي قادرعلى العبور من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.
كما أن خيوط البروكار المتشابكة تحكي قصص أيدٍ ماهرة نسجتها، فإن هذه اللوحة تحمل رسالة الأمل والاستمرارية، لتقول: مهما تبدلت الأزمنة، فإن جمال التراث يبقى خالداً..
هي دعوة إلى أن نتعلّم من الماضي لنصنع حاضراً أجمل ومستقبلاً أكثر إشراقاً، نعيد إحياء القيم التي تتحدث بها كلّ نقشة وكلّ خيط في هذا النسيج.
رحلة إلى حضارات العالم
البروكار الدمشقي ليس مجرد قماش، إنه شهادة على أن الجمال والفن هما من أعمدة الحضارة التي لن تنهار أبداً.
ولفتت آمنة العوضي أنها قيد إصدار كتاب بعنوان :”رحلة إلى حضارات العالم”، والكتاب من تأليفها، جمعت كلّ معلوماتها ونسّقتها على شكل مواضيع كلّ لوحة لها تفاصيلها الشاملة، والبروكار الدمشقي أحد المواضيع التي تضمنها الكتاب، وهي اليوم في الحسكة ولا يوجد دور نشر وقد يصعب نشر هذا الكتاب لكن مهما كانت الصعوبات، فالإصرار والشغف هو بداية النجاح الحقيقي.
خاتمة بالقول: أتمنى أن يغني مسيرتي الفنية يوماً من الأيام كتابي الذي يحتوي مواضيع شاملة عن حضارات العالم “رحلة إلى حضارات العالم” يبدو مشروعاً ثقافياً وفنياً مميزاً يجمع بين تاريخ وثقافات متنوعة من الهندية والأمازيغية إلى الحضارات الإسلامية والمسيحية واليونانية والصينية وغيرها، مع لمسة خاصة على تفاصيل فريدة مثل فن الكاروهات وربطه بحضارة فرنسا، والخيل الأصيل في الحضارات العربية.
إنها رحلة رائعة وملهمة أخوضها من خلال هذا الكتاب الذي يحمل عبق الحضارات وجمال التراث.