الثورة – حمص – رفاه الدروبي:
موندراما “حاويات بلا وطن” تأليف الكاتب العراقي قاسم مطرود وإخراج وتمثيل مهند زيداني لفرقة إيبلا المسرحية عرض مدَّته نصف ساعة لخَّص المأساة السورية من كاتب عراقي ضمن عروض المهرجان المسرحي السادس والعشرين على مسرح قصر الثقافة بحمص.
فتحت الستارة قبل العرض لتعكس ديكوراً يُعبّر عن حالة النزوح والتهجير بوجود خيمتين متجاورتين بجانب بعضهما بينهما حبل غسيل عُلِّقت عليه ملابس لفئات عمريّة متعددة ولافتة في زاوية الخشبة المقابلة عبارة مكتوبة تدعو لعدم رمي القمامة وأخرى تختصر حالة حب بإشارة قلب وموسيقا هادئة رومانسيّة مع بدء العرض ترافقها إضاءة زرقاء فالحمراء وصوت ناي حزين توافق مع حوار رجل ماتت زوجته بعد هجرة البيت في الغربة حيث دوّن أعلى الخيمة عام 2015 والحوار يتضمن الحرب الداميّة والتهجير والجوع وتعرّضه للضرب لعدم قبوله ترك منزله وكان نتيجته قدماً عرجاء نهاية الحكاية يحاول حفر الأرض لدفن زوجته فتكون تحت نخلة باسقة يحمل جثمانها وينزل بين الجمهور يريد الوطن وقد ترافق العرض مع أغنية موطني.
بعد اعتلاء لجنة المناقشة لإدارة دفّة الحوار كان من نصيب جمهور الصالة حيث أكّدوا جماليَّة العرض وأنَّه ممتع ومتكامل لنص اختزن معاناة الناس المعاصرين المتعرّضين للحروب والأزمات وقد أفرد المخرج الممثل كل معاناته ببراعة وإبهار، لافتين أنَّهم شعروا بدفءٍ تسلّل إلى أعماق قلوبهم من خلال عرض قصير أحسوا بتهيئة غريبة نابضة بالأحاسيس والشخصيات وكأنَّهم يبحثون عن مأساة وطن لمجرد وجود شكل المخيم وحالة مواطن يغادر وطنه رافقتها حركة ممثل رائعة بذل جهداً كي يُقدِّم عرضاً لطيفاً لوقائع خبروها وأضافت للذاكرة أشياء كثيرة طرقتها في لحظات العيش في المهجر، منوّهين أنَّهم لم يروا حركات عيون الزيداني ولكن سمعوا صوتاً وصل إليهم وعبّروا عن واقع الديكور أنَّهم شاهدوا فوضى فيه وكان من الممكن توظيفها لمصلحة العرض بشكل أفضل من خلال حبل الغسيل المعلّق كرؤية بصرية يكون مساعداً للعمل، وأضافوا إنَّ المخرج الممثل لم يكن يتبادل أطراف الحديث مع شخصيات غير موجودة بل كان لوحده بحوار لم يعلُ أو يهبط خلال العرض عندما لمَّح إلى الوجع النازف.
المخرج تمام العواني تساءل في بداية حديثه عن مدى اعتبار الموندراما فنّاً قائماً بذاته لجنس أدبي صعب وإمكانيّة البحث عن أدوات ومفردات عرض جديدة للنوع ذاته باعتباره يحتاج إلى تقنيات عالية على مستوى الصورة البصر والحكاية والممثل.
بدوره المخرج حسن عكلا بيّن صعوبة الحديث عن الموندراما في حضرة الفنان القدير زيناتي قدسيَّة صاحب التجربة الأقدم والأعرق وأُرّخت له وسجَّلها مسرحيٌّ مثقف قدَّم خبرته وتجربته الأخلاقيَّة والإنسانيَّة قبل أن يؤسِّس فنه الفذ مقدماً الشروط الفنية لذات النوع ويحتاج إلى مسرحيّ متمكن وإمكانيَّات كبرى لنقل وسائل إيصاليَّة عبر الشخص الواحد للجمهور خالقاً تواصلاً عميقاً مع الحضور. مبيناً أنَ الشخصيّة الواقفة على الخشبة جزء من أنفسنا ولعلّ الشرط الآخر لها المعاناة والعذاب العقلي أو النفسي أو الاضطرابات الناتجة عن خلق تواصل مع الناس لشخصية وحدانيّة وليست واحدة ما يعني أنَّها ليست صادقة بأدائها وعذابها وعدم الدقة في ضبط عناصر العمل فيها إلا أنَّها بدأت تؤسِّس لاستنفاد أغراضها بل في موضوعها بأداء الممثل والمفردات وقال: إنَّ المخرج الممثل حاول خلال العرض تأسيس مشروعه الموندرامي لكنّه لم يكتمل واقترب إلى حدٍّ ما بحضوره فأثبت نفسه.
من جهته الكاتب سلام اليماني أوضح أنَّ النص لا يكاد يقدّم مأساة لاجئ إلا من خلال إيحاءات بسيطة وجمل تحتاج إلى قارئ أو مشاهد منتبه ولكن بحاجة إلى مساعدة الكاتب والمخرج على حلِّ العقدة وتكون بالبقاء في مكان قذر بكل ما تعني الكلمة والحل يظهر بالنخلة المعبّرة عن البلد والوطن ومكان دفن الآباء والأجداد منتقلاً بالنص من الواقع إلى الفكرة الأمل والحب والمطمح فكان الحلّ عبقرياً ورمزياً وواقعياً عندما غادر من مكان أزمته الافتراضية إلى الناس مؤكّداً أنَّها نقله جميلة عندما نزل إلى الجمهور فشعرنا بالألم.
فيما رأى الفنان التشكيلي إياد بلال أنَّ العرض له مفردات كثيرة وحالة تفكيكيّة وزمن طويل فالسراويل بألوانها المختلفة لها مدلولها والمشهد يوحي بوجود مخيم كامل واكتفى المخرج بخيمتين وحاوية مع لافتة ولو رددنا العناصر إلى أصلها التجريدي لوجدنا أنَّ الشكل الهرمي والمربع أو المستطيل حالة من الثبات الفيزيائي والنفسي وكأنَّه يقول إن المخيم كالأهرامات باق وثقيل وطويل ويوجد مشهد مهم جداً عند صعود الممثل على المكعب يدلُّ على دور سلطة إدارة المخيم ليخلق أيضاً مستوى فعل مسرحي على غير الخشبة أمَّا مدلول الكتابات وعلاقتها بالحب فتدل على سذاجة المستوى التعليمي المتدنّي بينما كان للعصا دور يفوق أهميّة لاستخدام الأدوات بشكل جميل فتارةً تحوَّلت إلى امرأة فجنازة وكم كان جميلاً عندما نبش التراب وأدهشنا بقطعة قماش قديمة!.