الثورة – هلال عون:
من أهم أسباب نجاح أي قرار هو توقيت اتخاذه.. وأمريكا تهدد روسيا الآن بمنعها من استخدام نظام التعامل المالي الدولي (سويفت)، في حال تجاوزت الخطوط الحمر لأمريكا في أوكرانيا!.
والسؤال: هل أمريكا جادة في تهديدها، وهل هي قادرة على التنفيذ، وما موقف أوروبا من هذا التهديد.. وهل التوقيت مناسب لأمريكا التي تجمع قوتها لمواجهة الصين ومحاصرة اقتصادها؟؟!!.
أتمنى أن تنفذ أمريكا تهديدها ضد روسيا..!.
بالتأكيد، هذه الأمنية ليست كرها بروسيا، فأنا أحبها، وهي صديقة بلدي سورية وشريكته في الحرب على الإرهاب.
ولكن لأن هذا التهديد، إن تم تنفيذه فسيعجّل بإزاحة أمريكا عن سدة قيادة العالم.
أما كيف سيعجّل بإزاحتها عن سدّة قيادة العالم؟، فذلك شرحه بسيط..
معروف، ومتّفق عليه أن أمريكا تهيمن على العالم بذراعين:
– الذراع الأولى هي القوة العسكرية الهائلة المنتشرة في العالم.
الذراع الثانية هي الدولار الذي يستخدمه العالم عملة رئيسية في مبادلاته التجارية، وتدّخره بنوك جميع الدول لأنها من خلال حجمه تحدد قيمة عملاتها المحلية.
ولأن أمريكا تشرف على كل دولار يتم تحويله عالمياً في كل الاتجاهات عبر نظام (سويفت)، فإنها تستطيع قهر الدول والشعوب بعقوباتها الاقتصادية التي تلتزم بها جميع الشركات والبنوك والدول لأن نسبة المبادلات التجارية العالمية بالدولار تبلغ حوالي 80% من حجم التجارة الكلية.
ولكن السؤال هو: لماذا الأمنية بمعاقبة روسيا بمنعها من التعامل بهذا النظام، رغم أن الأمر سيؤثر سلباً على مبادلاتها التجارية في التصدير والاستيراد والاستثمار؟
والجواب: هو ببساطة لأن روسيا والصين وإيران قد بدأت عملياً بالتبادل التجاري في عقود النفط بالعملة الوطنية لكل دولة بعيداً عن الدولار.
ولأن معاقبة روسيا – إن تمت – فإنها ستكون فرصة لتلك الدول ولعدد من الدول الأخرى المتضررة من نظام العقوبات الامريكية لخلق نظام تبادل تجاري دولي جديد بعيداً عن الدولار.
وإذا علمنا أن حجم التبادل التجاري الصيني في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام (2021) بلغ – بحسب مصلحة الجمارك الصينية – ( 21.34 تريليون يوان ما يعادل 3.3 تريليون دولار ).
بينما بلغ حجم تجارة روسيا الخارجية مع دول العالم في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 540 مليار دولار.
وهذا يعني أن حجم التجارة الصينية لهذا العام هو حوالي 6 ترليونات دولار، وحجم التجارة الروسية أقل بقليل من ترليون دولار.
أي إن حجم تجارة البلدين حوالي 7 ترليون دولار.
وإذا علمنا أن حجم التجارة العالمية المتوقع مع نهاية هذا العام هو حوالي 22 ترليون دولار، فإننا ندرك أن الصين وروسيا تحوزان حوالي ثلث التجارة العالمية.
ولنا أن نتخيل الضربة التي سيتم توجيهها للدولار حال استغنائهما وحدهما عن التعامل به.
ولنا أن نتخيل تلاشي قدرة امريكا على فرض أي عقوبات على الدولتين، وعلى جميع الدول التي ستنضم إليهما.
قد يقول البعض إن الامر ليس بهذه البساطة، لأن الأمر – وإن أدى إلى خسائر هائلة للاقتصاد العالمي ولمركز وسطوة أمريكا – إلا أنه سيؤدي إلى خسائر هائلة جداً للصين، وكبيرة جداً لروسيا بسبب الرصيد الهائل للدولار، خاصة للصين، سواء في البنوك الداخلية والعالمية، أو في سندات الخزانة الأمريكية المشتراة من قبل الصين، والتي تبلغ (1095) ملياراً، بالإضافة إلى الخسائر التجارية الناتجة عن صادرات الدولتين لأمريكا.
وهنا يجب التذكير بأن أمريكا ستطالب الغرب بالالتزام تنفيذ عقوباتها المالية على روسيا، ولكن أوروبا تعلم أنه يمكن لروسيا أن تشل الاقتصاد الأوروبي، وذلك بوقف تصدير الغاز الروسي الذي يشكل حوالي 45% من إجمالي استهلاك أوروبا من الغاز، والذي تعتمد عليه الصناعة الأوروبية.
إن خطوة قطع إحدى ذراعَي أمريكيا بإسقاط دولار وبالتالي إسقاط نظام العقوبات الاقتصادية الذي تمارسه على الدول لتحقيق أهداف سياسية هي خطوة قادمة، ولكن التخبط الأمريكي قد يعجل بها