الذي لاشك فيه هو أن الوضع المعيشي صعب جداً، وقد تردّت حالتنا عما كانت عليه كثيراً نتيجة ارتفاع الأسعار اللامعقول الذي نواجهه يومياً، ويكاد لا يمرّ علينا صباح إلاّ ونصطدم بأسعار جديدة أعلى، تزيد من المعاناة والمآسي عند أغلب الناس.
هذا واقع حقيقي لا يمكن لأحدٍ إغفاله، ومن يعمد إلى إغفال ذلك يمكننا أن نقول عنه – على الأقل – بأنه غير منصف.
ولكن لا ندري لماذا يعمد الكثيرون على إغفال أشياء أخرى ونسيانها أحياناً، وأحياناً أخرى تناسيها، واستسهال التعتيم عليها، وبالتالي الوقوع في مطبّ عدم الانصاف أيضاً..؟!
لا أريد أن أتفلسف عليكم ولا أن أُنظّر على أحد، ولكن ثمة خطأ واقع والكثيرون ماضون فيه بلا تردد، فلا بد من محاولة الإيضاح، حتى وإن بدت هذه المحاولة فلسفة مزعجة على البعض أو ربما على الكثيرين، لاسيما وأن الجميع يدرك هذا الخطأ ويقف عليه جيداً، ومع هذا هناك من يشيح الطرف عنه عامداً أو غير عامد.
الانصاف هو – كما نعلم جميعاً – مرادف لمفهوم العدالة، والعدالة فضيلة متكاملة لا تقبل القسمة ولا التجزئة، فأن أكون منصفاً هنا وغير منصف هناك فهذا لا يعني أنني نصف عادل، بل يعني أنني ظالم وغير منصف.
الفضائل لا تقبل أي تشويه ولا تلوث مثلما لا تقبل التجزئة لأن التلوث الذي يصيبها يلغيها تماماً، فالذي يتحدث حديثاً صادقاً في أحد المجالس، ثم ينتقل إلى مجلس آخر فيتحدث حديثاً كاذباً ماذا يمكننا أن نطلق عليه .. صفة الصدق أم صفة الكذب ..؟ بالتأكيد صفة الكذب، لأن الصدق مطلوب دائماً أخلاقياً بمفهومه النظيف، والكذب مرفوض دائماً أخلاقياً.. وكذلك العدالة والانصاف مطلوبة دائماً والظلم مرفوض.
ما أريد الوصول إليه هو أننا إذا أردنا أن نكون منصفين، علينا أن ننظر إلى واقعنا كما هو فعلياً .. لا كما يحلو للبعض منّا، يُنقصون شيئاً ويزيدون شيئاً، يحذفون أمراً واقعياً ويبرزون أمراً واقعياً آخر ..!
هكذا ستبدو الصورة مشوّهة، مثلما بدت في هذه الأيام عند إصدار المراسيم بزيادة الرواتب والأجور وزيادة التعويضات، التي واجهها الكثيرون بانتقادات لاذعة وأنها غير كافية تجاه الوضع المعيشي المتردي، وصحيح هي غير كافية ولكن إن كان من العدالة والانصاف أن نتحدث عن صعوبة الحياة المعيشية والارتفاعات الفظيعة للأسعار، فمن العدالة والانصاف أيضاً أن نتحدث عن المحاولات الصادقة لتحسين هذا الوضع وأن لا ننسى ذلك ولا نتناساه، ولكن مع الأسف غابت هذه المحاولات عن تداول حديث الشارع والعالم الإفتراضي الأزرق، وهذا أمر لا يمتّ إلى العدالة بصلة ولا إلى الانصاف.
الوقائع تقول بأن هناك محاولات عديدة لتحسين الأوضاع ربما كان أبرزها خمس محطات:
الأولى في 16 آذار عندما تقرر صرف منحة / 50 / ألف ليرة للعاملين في الدولة والعسكريين، و / 40 / ألف ليرة للمتقاعدين.
الثانية في 8 أيار بصرف منحة مماثلة.
الثالثة في 11 تموز بزيادة 50% على الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والعسكريين، و 40% للمتقاعدين.
الرابعة كانت هذه الزيادة الأخيرة 30% للعاملين والعسكريين و 25% للمتقاعدين.
على الملأ – علي محمود جديد