أغلب البلديات الريفية ما تزال تعاني إلى حد كبير من نقص التمويل الذي يتيح لها تقديم الخدمات المناسبة للسكان، وتنتظر من يمدّ لها يد العون حتى تتحرك وإلاّ فهي ثابتة في حالة من الجمود متوهّمة بأنها غير قادرة على الاتيان بأي حركة حتى يأتيها التمويل المنتظر على طبق من ورد، وليس أسهل على رؤساء مثل تلك البلديات وأعضاء مجالسها من رفع راية الفقر والاحتياج وعدم القدرة على توفير الأموال اللازمة كذريعة دائمة للعجز وتبرير الخمول والتقصير.
ولكن في الحقيقة فإن رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الريفية هم الذين يبادرون إلى إفقار بلدياتهم بدلاً من إغنائها، وهم من خلال طريقة تفكيرهم السلبية لا يجترحون الحلول الممكنة التي تولد لهم المزيد من الأموال وتنعش الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان بالعديد من الطرق.
فما من قرية – ومهما كانت صغيرة – إلاّ وبإمكان بلديتها أن تفتح الباب لتأسيس وإقامة جمعية أو جمعيات تعاونية أهلية متخصصة، يمكن من خلالها احتضان جميع الأنشطة التي يمكن القيام بها في هذه القرية أو تلك.
فمثلاً يمكن للبلدية أن تفتح الباب للمساهمة بإقامة مزرعة أبقار على نحوٍ علمي واضح المعالم وبعد دراسات جدوى اقتصادية فعلية يتضح من خلالها التوقع المحتمل لربحية كل سهم ومن يريد أن يكون شريكاً في هذه المزرعة فليساهم بقدر استطاعته، وسيكون مردوده بقدر هذه المساهمة من خلال ما يمكن لهذه المزرعة أن تحققه من أرباح بعد دراسة وافية للمردود الناجم عن إنتاج اللحم، وكذلك الحليب الذي يمكن له أن يتطور بإقامة ورشات صغيرة لإنتاج الألبان والأجبان ومختلف مشتقات الحليب، بالإضافة إلى الواردات الممكنة من السماد العضوي والجلود.
وتتضمن الدراسة مختلف التكاليف المحتملة من الأعلاف والعناية الصحية وأجور اليد العاملة والتسويق، ومن ثم تتوّج بحساب الأرباح الممكنة للسهم الواحد، وبعد ذلك يجري تحديد عدد الأسهم الكفيلة بإقامة المشروع، وتطرح للشراء والمساهمة به، ويكون للبلدية نصيبها بمقدار مساهمتها وبدل الإشراف على المشروع ورعايته.
طبعاً هذا مثال قد ينسحب على نشاطات ريفية عديدة، وهو قابل للتطبيق فعلياً عندما تؤمن البلديات بالدور الاجتماعي والاقتصادي المنوط بها قانوناً، والذي ما يزال – في أغلب الأحيان مع الأسف – دوراً نظرياً لم تستطع الكثير من البلديات الارتقاء إلى مستوى الأخذ به.
إن الاكتفاء بالتباكي وانتظار الفرج من غامض علمه وترك وإهمال القدرات الكامنة والممكنة دون تحريك ولا إنعاش لن يفيد أحداً إن لم يقترن بالعمل والاندفاع بإصرار نحو إحداث شيء مفيد على الواقع القائم الذي قد يتفتّق بمثل هذه المبادرات عن المزيد من الأنشطة وسبل الدخل الأخرى الممكنة أيضاً.
فقط نحتاج إلى من يُبادر.. ويؤمن بهذه المبادرات وبضرورة الإقلاع عن التمسك بالكسل والذرائع وعشق الانتظار اللامجدي.
على الملأ- علي محمود جديد