خلال اجتماعه يوم أمس مع عدد من الصناعيين والتجار والمستثمرين في مدينة حسياء الصناعية، اعتبر وزير المالية أن البرامج الجديدة للمكلفين عبر أتمتة الضرائب والربط الالكتروني، ستجعل – أي البرامج – الرقم الضريبي واضحاً بين المالية والمكلف، وتدخّل العنصر البشري لن يكون إلاّ بالحدود الدنيا .
إذاً المشكلة مستمرة ولو حتى بالحدود الدنيا من التدخل للعنصر البشري، لأن هذا العنصر ومن خلال الكفاءة العالية التي اكتسبها بالتجارب التي كوّنت عنده خبرات متراكمة بات يمتلكها بطرائق الفساد وفنون التلاعب، سيكون قادراً على النفاذ إلى عمق العملية بطريقة أو بأخرى عبر تلك الحدود الدنيا، التي على المالية أن تسعى وبكل ما أوتيت من قوة وخبرة وعلم من أجل إغلاق الأبواب بالكامل أمام أي تدخل بشري في هذه العملية، مهما كان هذا التدخل طفيفاً، لأن هذا العامل البشري الذي اعتاد على الرشاوى والابتزاز، وصار يعتبر ذلك من أصل أصول العمل، هو الذي يشوّه أداء المالية وهيئة الضرائب، وهو الذي يدفع أصلاً بمكلّفي الضرائب إلى التهرّب الضريبي، سواء كانوا صناعيين أم تجاراً، أم من المستثمرين السياحيين، أم من يقومون بمختلف الأعمال الخدمية والاقتصادية الأخرى، لأن هذا العنصر البشري الفاسد عندما يبازر أصحاب تلك الفعاليات ويبتزّهم ويهددهم ( إن لم ) فإنهم سوف يضطرون لإرضائه، حتى وإن لم يكن بذهنهم أي تجاوز ليكفّ بلاه عنهم، وإلاّ سيكلفهم بمبالغ ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا ما يقودهم للمناورة كي يخففوا ما يمكن تخفيفه من مطالبه وأتاواته، فيظهر الصناعي أو التاجر أو مختلف الفعاليات الأخرى وكأنها متهرّبة ضريبياً، وإنما هي في الواقع تكون قد دفعت ما يوازي الضريبة وربما أكثر، ولكن لذلك العنصر البشري وليس لخزينة الدولة، ومن هنا جاءت فكرة الدفترين والحسابين عند أصحاب الأعمال، لا ليتهربوا من الضريبة ربما، ولكن ليتهربوا من ذلك الكابوس الذي يطبق على صدورهم وأعمالهم بمنتهى العنجهية والتطفل.
الكثير من أصحاب الأعمال يروون لنا وعلناً .. حكايات عن مندوبي المالية صار يعرفها القاصي والداني وارتقت إلى مستوى الثقافة العامة – ما شاء الله – عند الجميع الذين صاروا يعرفون أن أصحاب الأعمال إمّا أن يدفعوا الرشاوى وينجوا، وإمّا أن لا يدفعوا فيُرهقون بالضرائب.
نرجو من الأجهزة المالية أن لا يزعجها هذا الكلام، فقد صار بالفعل ثقافة عامة يعرفها الجميع مع الأسف ولم نأتِ بجديد، فلا داعي للقفز فوق المشكلة لنتوهّم بأننا أزلناها، لأنّ هذا القفز لا يزيلها وإنما يبقيها في مكانها لتكبر وتتجذّر أكثر وتصير مزمنة أكثر فيصعب علاجها أكثر فأكثر.
ولذلك فإن هذه الحدود الدنيا يجب أن تُزال بالكامل، كي لا تُفرّخ مع الأيام بما يؤهلها لتجاوز الحدود والعودة شيئاً فشيئاً إلى حالة اللاحدود.
علينا أن ننتصر بالأتمتة على هؤلاء، وأن لا نستسهل إهمال أي شرخٍ فيها كي لا يتحول إلى مزرابٍ لا نقوى على ضبطه .. ولو بعد حين.
على الملأ- علي محمود جديد