الثورة – أحمد صلال – باريس:
في المظاهرات والمستشفيات الميدانية، واللجان الأمنية في الساحات، وقوائم الشهداء والجرحى، ومن تعرضوا للاعتقال، كانت المرأة حاضرة، حتى صارت الثورة امرأة، والحرية امرأة، والكلمة امرأة، وهو ما أوصلها إلى منصّة التكريم العالمي.
لقد شكّلت الثورة السورية منعطفاً جديداً في تاريخ المرأة السورية وتحولاً جديداً في حياتها، فظهرت إلى جانب الرجل للمطالبة بالتغيير، والبحث عن ميلاد جديد لوطن ظلّ خلال عقود يرزح تحت المعاناة، والاستبداد، والظلم، والتجهيل.
لقد وجدت المرأة في الثورة نقطة مضيئة، أعادت لها حقوقها وحضورها السياسي، إذ ساهمت في كلّ اللجان والتكتلات الثورية، وألغت بذلك بعض المفاهيم التي كانت سائدة قبل الثورة، التي كشفت عن وجوه مشرّفة، سيسجلها التاريخ كصفحات تتشرف بها سوريا.
الدكتورة فرح أورفلي، إحدى الثائرات التي كان لها حضور لافت في ساحات الحرية، تحدثت إلى صحيفة “الثورة” قائلة: “كانت الساحات البيت الذي جمعنا، وغرست فينا الأخلاق التي ستبقى في نفوس كلّ من شارك، وأسهم في إسقاط النظام، فرضت المرأة الثائرة نفسها في الساحات، وأوجدت لها مكانا لتشارك وتقف مع الرجل، مما أعطاها المجال للإبداع في كلّ شيء، حيث كسرت حاجز الصمت، وما يسمى بالعادات والتقاليد، التي كانت تعيشها في ظلّ مجتمع ذكوري يسيطرعلى معظم النشاطات، لذا مثلت الثورة، ولا تزال الانتصار لحقوقها، فقبل الثورة كان هناك تغييب لدور المرأة، وبعد الثورة فرضت حضورها، وشهد لها كل العالم بذلك”.
وأضافت: الثورة كانت فرصة للكثير من النشاطات، كالعمل الحقوقي والسياسي، لأن تبصرالنور، وأثبتت المرأة قدرتها على الكفاح والنضال والمواجهة، وكذا التضحية التي لا يمكن إجمالها في سطور، لعل أبرزها التضحية بالنفس والاعتصام في الساحات للمطالبة بالتغيير ورحيل النظام الفاسد، علاوة على قيادة التظاهرات والاحتجاجات الثورية، فكوّنت ثورة بذاتها قادرة على التغيير.
درست أورفلي طب الأسنان في جامعة حلب، واليوم تتابع دراسة الماجستير في الصحة العامة بكلية الطب في جامعة السوربون، منذ بداية الثورة السورية، شاركت في العديد من الأعمال التطوعية مع منظمات إنسانية مختلفة، كان من أهم ما قامت به تقديم الدعم النفسي لأطفال مرضى السرطان، الذين عاشوا ألم المرض إلى جانب قسوة الحرب، فكانت تعمل على تخفيف معاناتهم ومعاناة ذويهم.
كما شاركت في عدة حملات صحية، مثل حملة النهوض بالصحة السِّنية، بالإضافة إلى حملات توعية حول الأمراض والأوبئة الشائعة في المخيمات ومراكز النزوح.
وصلت أورفلي إلى باريس في المراحل الأخيرة من الثورة، ولم تتح لها الفرصة الكاملة للمشاركة الميدانية في مظاهرات باريس، كما كانت تتمنى، وأضافت: “لكنني أفتخر بكلّ سوري وسوريا حملوا الثورة في قلوبهم، سواء أكان ذلك داخل سوريا أم خارجها”.
نشأت في بيت سياسي بامتياز، فقد كان والداها، الدكتور ‎باسل أورفلي “المعراوي”، معارضاً لنظام الأسد المخلوع منذ عهد الأب.
تقول أورفلي: “لقد حرص والدي على تربيتنا على قيم الحرية والكرامة، وكان من أوائل الأطباء الذين انضموا لصفوف الثورة، إذ عالج المتظاهرين في حلب طوعاً، ثم عمل كطبيب في مخيمات الشمال السوري، ولا يزال حتى اليوم يمارس مهنته بأمانة، ويواصل الدفاع عن قضيته ككاتب ومحلل سياسي”.
الدكتورة فرح أورفلي فخورة بأنها نشأت في بيت لم يساوم على مبادئه، وكان صوتاً للحق في زمن القمع، هذه القيم أصبحت جزءاً من هويتها، وتشعر بمسؤولية كبيرة تجاه مستقبل سوريا، وتتمنى أن تتمكن من مواصلة المسيرة مع كلّ السوريين، لبناء دولة حرّة، عادلة، وموحدة، تحقق أحلام شعبنا وتضحياته.