من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ  

فراس حاج يحيى – باحث قانوني وسياسي  -باريس 

مشاركة سوريا في قمة المناخ في البرازيل  ليست حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل خطوة محسوبة نحو إعادة إدماج سوريا في المنظومة الدولية من خلال ملفٍ جامع وغير صدامي: البيئة.

فالحضور السوري الرسمي، على هذا المستوى الرفيع، يعكس توجهاً حكومياً متقدماً نحو إدراك البعد البيئي كجزء من الأمن القومي والسياسة الخارجية في آنٍ واحد،حيث تشكّل البيئة منصة عملية لإعادة بناء الجسور مع العالم واستقطاب الدعم الفني والمؤسسي.

ويصعب الحديث عن مستقبل سوريا دون التوقف أمام الكارثة البيئية التي خلّفتها سنوات الحرب.

لقد تعرّضت البلاد لأحد أسوأ أشكال التدمير البيئي في تاريخها الحديث:

• أكثر من مليون هكتار من الغابات والأراضي الزراعية احترقت أو جُرفت،

• تلوثت المياه الجوفية والسطحية بسبب تسرب الوقود والمواد الكيميائية.

• تدمّرت البنى التحتية للصرف الصحي ومعامل المعالجة.

• نُزعت الغابات في الساحل وحماة وحمص، وتكررت الحرائق في السنوات الأخيرة لتلتهم مساحات حيوية من الغطاء النباتي.

• وتزايدت ظواهر التصحر وانجراف التربة وتراجع التنوع الحيوي في مناطق واسعة من البلاد.

هذه ليست أرقاماً بيئية فحسب، بل مؤشرات على فقدان التوازن الإيكولوجي والاجتماعي، وهو ما يجعل من معالجة الملف البيئي شرطاً لازماً لأي مشروع وطني حقيقي لإعادة الإعمار.

بالتالي من غير الممكن فصل إعادة الإعمار العمراني عن الإعمار البيئي،فكل عملية بناء تحتاج إلى موارد طبيعية مستدامة، وإلى تخطيط عمراني يحترم معايير البيئة والصحة العامة.

لهذا، فإن المشاركة السورية في قمة المناخ تأتي في لحظة مناسبة لطرح رؤية وطنية جديدة للإعمار، تقوم على:

1. تضمين البعد البيئي في السياسات العمرانية والتخطيط الحضري.

2. الاستفادة من التجارب الدولية في الطاقة المتجددة وإدارة النفايات والمياه.

3. إعادة تأهيل المناطق المدمرة وفق معايير التنمية المستدامة وليس وفق منطق الترميم المؤقت.

إن ربط قضايا الإعمار بالبيئة لا يقتصر على النواحي التقنية، بل يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة؛ لأن البيئة السليمة هي الشكل الأصدق للعدالة الاجتماعية.

وبهذا تنتقل سوريا من الخسارة إلى المعرفة من خلال مشاركتها في هذه القمة، و تفتح أمامها باباً واسعاً للتعاون الدولي عبر:

الانضمام إلى الشبكات البيئية العالمية وبرامج الأمم المتحدة المعنية بالمناخ، وكذلك الحصول على الدعم الفني لتحديث التشريعات البيئية السورية بما يتوافق مع اتفاق باريس واتفاقيات التنوع الحيوي،اضافة لاكتساب خبرات في التكنولوجيا الخضراء والطاقة النظيفة وإدارة الموارد الطبيعية، بما يعزز مكانتها القانونية والدبلوماسية عبر الالتزام بالمبادئ البيئية العالمية، وهو ما يُعيد الثقة بالمؤسسات السورية.

وفي عالم جديد تُشكّل البيئة اليوم مدخلًا مغايرا” لمفهوم السيادة الوطنية، تصبح الدولة  القادرة على حماية مواردها الطبيعية وتنمية أراضيها هي دولة قادرة على الدفاع عن استقلالها السياسي أيضاً.

من هنا تأتي أهمية الخطوات الحكومية السورية في الانفتاح عبر المسارات البيئية، فهي تُعيد تعريف القوة الوطنية بلغة التنمية والاستدامة، لا بلغة الصراع والاصطفاف.

لقد دمرت سنوات الحرب البيئة السورية كما دمّرت عمرانها، لكنّ الطبيعة  كما الإنسان السوري قادرة على النهوض من جديد،فمن رماد الغابات المحترقة، ومن أنقاض المدن المتعبة، تنطلق اليوم رؤية وطنية نحو الإعمار الأخضر، رؤية تُعيد الحياة للأرض كما تعيدها للإنسان.

آخر الأخبار
قمة المناخ بين رمزية الفرات والأمازون.. ريف دمشق من تطوير البنية الصحية إلى تأهيل المدارس   زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي     تحسن ملحوظ في سوق قطع غيار السيارات بعد التحرير  "إكثار البذار " : تأمين بذار قمح عالي الجودة استعداداً للموسم الزراعي  دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا