الثورة – عدي جضعان:
في خطوة تعكس تحوّلاً لافتاً في الموقف الدولي من الملف السوري، أقرّ مجلس الأمن الدولي يوم الخميس قراراً صاغته الولايات المتحدة يقضي بشطب اسم الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الأممية المرتبطة بمكافحة الإرهاب.
هذا القرار، الذي حظي بتأييد شبه إجماعي من الدول الأعضاء وامتناع دولة واحدة، يُعد تتويجاً لمسار سياسي ودبلوماسي استهدف إنهاء العزلة المفروضة على الحكومة السورية الانتقالية منذ سقوط نظام الأسد المخلوع في كانون الأول الماضي. ويرى مراقبون أن هذا التغيير يحمل رسالة سياسية قوية مفادها أن المجتمع الدولي بدأ يتعامل مع دمشق بوصفها طرفاً فاعلاً في جهود الاستقرار الإقليمي، خصوصاً مع اقتراب زيارة الرئيس الشرع المرتقبة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي يوم الإثنين القادم.
تحول استراتيجي
اعتبر الباحث في الشأن السياسي السوري محمد سليمان أن القرار الأخير يمثل “تحولاً استراتيجياً” في نظرة المجتمع الدولي، ويعكس اتجاهاً واضحاً نحو الاعتراف بالحكومة الانتقالية كشريك مشروع.
وأوضح سليمان لصحيفة الثورة أن القرار يبعث إشارة سياسية واضحة على دعم متطلبات المرحلة الجديدة، ومنها تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب وتجارة الكبتاغون، وحماية حقوق الإنسان، بما يعكس رغبة الأمم المتحدة والدول الكبرى في دعم سوريا الجديدة على أساس الشراكة لا العزلة.
وأشار الباحث إلى أن الحكومة الانتقالية اتخذت خطوات ميدانية ملموسة عززت الثقة الدولية، من بينها فتح الممرات الإنسانية لملايين المحتاجين، ومواصلة محاربة الإرهاب بما في ذلك تنظيم داعش، إلى جانب إطلاق سراح آلاف المعتقلين وبدء تحركات دبلوماسية لإبعاد المقاتلين الأجانب وتهيئة الأرضية لحوار أمني محتمل مع إسرائيل ضمن مساعي تحقيق الاستقرار الإقليمي.
آفاق اقتصادية.. وعائق “قانون قيصر”
من جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي سليمان جمال أن رفع العقوبات الأممية والأمريكية عن سوريا يمهد الطريق أمام تدفقات مالية واستثمارات ضخمة متوقعة خلال العامين المقبلين، معظمها من دول الخليج.
وأشار إلى تعهدات المملكة العربية السعودية بتخصيص مليارات الدولارات لمشروعات البنية التحتية والاتصالات، إلى جانب منح دولية وتحويلات متزايدة من المغتربين السوريين. ورأى جمال أن هذا الدعم سيسهم في تعزيز الاستقرار المالي وخفض معدلات التضخم ودعم الرواتب الحكومية، لكنه نبّه إلى أن هذه الخطوات لا تكفي وحدها لإنعاش اقتصاد تراجع بشكل حاد على مدى السنوات الماضية، مشدداً على ضرورة إصلاحات داخلية جذرية.
وفي السياق ذاته، أشار جمال إلى أن قانون قيصر الأمريكي ما يزال يشكّل العائق الأكبر أمام الانفتاح المالي الكامل، موضحاً أن العقوبات الثانوية المفروضة بموجبه تثير مخاوف المستثمرين والبنوك الدولية وتحول دون انضمام سوريا مجدداً إلى نظام “سويفت” العالمي، رغم بعض الإعفاءات الأوروبية المؤقتة.
والجدير بالذكر أنه منذ اندلاع الثورة السورية، شكّلت جلسات مجلس الأمن ساحةً للانقسام، حيث استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لإجهاض مشاريع قرارات غربية، ما أدى إلى جمود طويل، ومع سقوط النظام البائد، بدأ مسار سياسي جديد داخل الأمم المتحدة لإعادة صياغة العلاقة مع الدولة السورية الجديدة.
ويُعد القرار الصادر أول قرار يحظى بإجماع شبه كامل منذ أكثر من عقد، ما اعتبره دبلوماسيون بداية تحول في المزاج الدولي نحو دعم سوريا الجديدة، تمهيداً لعودتها إلى النظام المالي والمؤسسات الدولية، وفتح الطريق أمام مرحلة من الانفتاح العربي والدولي التدريجي.