الثورة -سهى درويش:
دبلوماسية خضراء، تعيد بناء نظام بيئي حيوي لتحقيق تنمية مستدامة، تعبّر عن رؤية سوريا الجديدة بمشاركتها في قمة المناخ “COP30”، التي تعقد في مدينة “بيليم” البرازيلية، و تضع الإنسان والطبيعة في صلب التنمية، كما تربط بين رمزية الأمازون والفرات كمنبعين للحياة والاستمرارية.
هذه المشاركة تعتبر فرصة دولية هامة لتبادل الخبرات، والحديث عن الأضرار التي لحقت بالبيئة السورية بسبب سنوات الحرب الطويلة التي أثّرت على البنية التحتية، وتدهور الموارد الطبيعية، مثل المياه والتربة، وإيجاد حلول فعّالة للتغير المناخي، وتبادل الآراء حول كيفية التكيف مع التغيرات المناخية، والتخفيف من آثارها، وتسريع التحول نحو اقتصادات أكثر استدامة.
سوريا رئة عالمية
للحديث عن أهمية المشاركة في قمة “بيليم”، وآثار التغيرات المناخية وانعكاساتها على البيئة في سوريا، وكيفية التخفيف منها، التقت “الثورة” عميد المعهد العالي لبحوث البيئة في جامعة اللاذقية، الأستاذ الدكتور موسى السمارة، الذي أوضح بداية أن القضايا البيئية تعتبر من المسائل العالمية الشائكة والمعقدة، ما يستدعي تضافر الجهود لصالح حماية البيئة وضمان أسس التنمية المستدامة.

وأضاف .د. السمارة: نظراً للموقع الجغرافي للجمهورية العربية السورية، فإنها تمثل رئة عالمية، تستنشق منها القارات الثلاث” آسيا وأوروبا وأفريقيا”.
مخاطر الحرب
سنوات الحرب الطويلة في سوريا أرخت بتداعياتها السلبية على البيئة والطبيعة، وفق ما أشار إليه عميد بحوث البيئة، حيث إنه نتيجة للحرب، تزايدت الأعباء البيئية بصورة دراماتيكية، ما ينذر بمخاطر بيئية وصحية تتجاوز الحدود الإقليمية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتلوث المصادر الأساسية المحدودة للمياه العذبة، نتيجة غياب الإدارة المتكاملة للنفايات السائلة والصلبة والغازية.
و من جهة ثانية، أفرزت الحرب مزيداً من الملوّثات الناشئة “كالأسبيستوس” الذي استخدم سابقاً، وعلى نطاق واسع في أعمال البناء والتشييد، حيث تُصنّف المنصات البيئية والصحية العالمية هذا الملوث (الأسبيستوس) كمادة خطرة مؤكّدة إحداث التسرطن.
كما نجم عن الحرب ملوثات ناشئة ذات خطورة عالية متمثلة بالمركبات الهيدروكربونية العطرية متعددة النوى، بالإضافة إلى المركبات العضوية الثابتة والمتطايرة، ما سينعكس سلباً على صحة الإنسان وعلى بيئته.
الإصحاح البيئي
د.السمارة أكد أنه يقع على عاتق المعنيين مهام استثنائية في مجال الإصحاح البيئي، يمكن تحقيقها حالياً بعد عودة الجمهورية العربية السورية إلى الحاضنة العالمية.
ومن أبرز هذه المهام التنسيق مع المنظمات الدولية المختصة، وبالتعاون مع الخبراء المحليين لتقييم الأثر البيئي، بغية إنجاز دراسات مراجعة الأثر البيئي لجميع الأنشطة المتضررة وغير المتضررة في المجالات الزراعية والصناعية والخدمية، بالإضافة إلى ربط الاستثمارات القادمة بدراسات تقييم الأثر البيئي تحقيقاً للتوازن بين الجدوى الاقتصادية والجدوى البيئية، والتأسيس لمنصة رقمية بيئية محلية، ترتبط مع المنصات الرقمية البيئية العالمية للاستفادة من الخبرات العالمية في الإصحاح البيئي وحماية وصون الطبيعة، باعتبارها رأسمال أي تنمية اقتصادية واجتماعية، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالتعافي المبكر من الأوبئة والأمراض المزمنة الناجمة عن التلوث البيئي.
الاحتباس الحراري
رأى د. السمارة أن من أهم مخرجات القمة التي يفترض أن تكون، التنسيق والتعاون الدولي مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) لتخفيف وطأة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، عبر إيجاد منظومات شاملة للإدارة المتكاملة للنفايات السائلة والصلبة والغازية بناءً على مفهومي الإنتاج الأنظف والإيكولوجيا الصناعية، وبما يضمن تحويل هذه النفايات إلى منتجات ثانوية صالحة لأن تكون مواد أوّلية لأنشطة أخرى، ما سيقلل من البصمة الكربونية.
بالإضافة إلى التعاون الدولي مع الجهات الدولية المختصة، مثل (الفاو) لتعزيز الوفرة المائية من الحصاد المطري، وبما يؤدي إلى رفد الأحواض المائية تحت الأرضية، ومنع تسرب المياه العذبة نحو البحر، على اعتبار أن تكلفة هذا الإجراء أقل وبكثير من تكاليف تحلية مياه البحر.
الاستفادة من الخبرات
ونوّه د.السمارة بضرورة الاستفادة من الخبرات المتراكمة للجهات الدولية المختصة بمكافحة الحرائق، في مجال السيطرة على حرائق الغابات الساحلية، وخاصةً عندما يتعلق الأمر ببرامج التنبؤ والرصد البيئي، والتعاون الدولي مع المركز الدولي للإنتاج الأنظف للاستفادة من تجاربه في حماية بيئة العمل والبيئة العامة في صناعة النفط والغاز.
وختم د. السمارة بالتأكيد على أهمية تكثيف الجهود العلمية مع الجامعات العالمية في مجال التكنولوجيا النانوية الخضراء، وفي مجال التقانات الحيوية، وبما يضمن تعزيز متطلبات الإصحاح البيني.
أخيراً: إن مشاركة سوريا في قمة المناخ خطوة هامة في تعزيز التعاون الدولي، والبحث عن حلول مشتركة من أجل عالم أكثر استدامة، يمكّن جميع الدول، مهما كانت ظروفها، من لعب دور حيوي في الحفاظ على كوكب الأرض للأجيال القادمة.