دمج الضباط المنشقين.. كيف تترجم الحكومة خطاب المصالحة إلى سياسات فعلية؟ 

الثورة – نيفين أحمد:

أطلقت وزارة الداخلية، أمس الجمعة 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استمارة إلكترونية مخصصة للتواصل مع الضباط المنشقين المقيمين خارج البلاد.
وذكرت الوزارة في إعلانٍ نشرته عبر معرفاتها الرسمية، أن وزير الداخلية، أنس خطاب، أعلن عن فتح باب التواصل مع الضباط المنشقين في الخارج، بهدف تسجيل بياناتهم وتنظيم آلية تواصل رسمية معهم تمهيداً لمعالجة أوضاعهم ضمن الأطر القانونية والإدارية.
وكان الوزير خطاب أعلن، الجمعة الفائت، أن لجنة مقابلة الضباط المنشقين عن النظام المخلوع أنهت أعمالها بعد إجراء مقابلات مع أكثر من 260 ضابطاً حقوقياً من الموجودين داخل البلاد للالتحاق بالعمل.
هذا المنعطف الاستراتيجي يعكس نضج الرؤية السياسية لمرحلة ما بعد انتصار الثورة، تتجاوز فيه الحكومة السورية منطق إدارة الملفات العالقة إلى استراتيجية بناء الدولة، فمبادرة وزارة الداخلية بفتح الباب لعودة الضباط المنشقين تخطت الإجراء الإداري لمعالجة قضية حساسة، وانتقلت به لتجسيد عملي لفلسفة الحكم الجديدة.
لكن ومع هذه الإجراءات، هل باتت وزارة الداخلية تتخذ خطوة تؤسس لمرحلة يُعاد فيها تعريف العلاقة بين المواطن والدولة وتُبنى فيها المؤسسات على قاعدتي الكفاءة والولاء الوطني الشامل؟ أم إن هناك ما هو أعمق من ذلك؟

من الشعارات إلى التطبيق
بناء دولة مستقرة بعد صراع عميق يتطلب آليات تتجاوز المحاسبة التقليدية نحو “العدالة التصالحية”، وهنا تكتسب خطوة دمج الضباط أهميتها القصوى حيث تنتقل الدولة من خطاب المصالحة إلى تطبيقه الفعلي، فبدلاً من الإقصاء تختار الدولة الاحتواء الذكي الذي يهدف إلى طي صفحة الماضي واستيعاب الانقسامات ضمن هوية وطنية جامعة.
و هذه الرؤية كما يؤكد الباحث في الشؤون السياسية في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، في تصريح لـ “الثورة”،  تهدف إلى إثبات أن “سوريا الجديدة قائمة على كفاءات أبنائها جميعاً وليس على لون واحد أو طيف واحد من القوى الفصائلية التي حررت البلاد”، ما يجعل هذه المبادرة حجر زاوية في مشروع بناء الثقة المؤسسية والمجتمعية.
عملت عدة وزارات على رفد كوادرها بالمنشقين عن النظام السابق، منها وزارة الخارجية، التي وقعت على إعادة 21 دبلوماسياً منشقاً عن النظام، في 3 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وكان المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع، قال في وقت سابق: إن “الوزارة شكلت لجاناً مختصة لاستقبال طلبات الضباط المنشقين وتنظيم بياناتهم وفق الرتب والاختصاصات ومعايير محددة، إلى جانب استدعاء المنشقين والمسرَّحين لأسباب أمنية أو سياسية”.
هذه العملية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج جهود بدأت مباشرة بعد تحرير سوريا، حيث يؤكد علوان، أنه “شخصياً قابل الكثير من المسؤولين والضباط في مختلف الوزارات وكان هناك ترحيب بكل من يأتي ليشارك في عملية البناء”. وعليه تترجم هذه الخطوة بأنها رسالة عملية مفادها أن جميع أبناء سوريا بغض النظر عن مواقفهم السابقة مدعوون للمشاركة في بناء وطنهم وهو ما يعزز “الثقة المجتمعية بالحكومة”، الأمر الذي تعتبره القيادة ضرورياً لنجاح المرحلة.

نحو عقيدة وطنية جديدة
خلال الأسابيع الفائتة، صرحت وزارة الدفاع، أن عدد العاملين من الضباط المنشقين ضمن صفوف الجيش السوري بلغ أكثر من 2000 ضابط من أصل 3500 تمت مقابلتهم.
مع هذا تشير المعلومات إلى انشقاق قرابة 10 آلاف عنصر وصف ضابط خلال السنوات السابقة عن جيش النظام المخلوع، بينما تجاوز عدد الضباط المنشقين 4 آلاف، وينقسم هؤلاء إلى قسمين: الأول انشق وقاتل في ساحات المعارك، أما الثاني فغالبيتهم فضلوا الانشقاق والسفر إلى دول أجنبية وعربية.
بناء دولة حديثة لا يمكن دون مؤسسة أمنية وعسكرية احترافية ولاؤها مطلق للدستور والشعب، لذلك تأتي هذه المبادرة في سياق إعادة بناء وزارتي الداخلية والدفاع اللتين كانتا بحسب وصف علوان “قيد الإنشاء التأسيسي وليس الترميم كباقي الوزارات”.
استدعاء الضباط المنشقين الذين يمتلكون خبرة مؤسسية سابقة ودمجهم في الهياكل الجديدة يهدف إلى تسريع عملية بناء عقيدة أمنية وطنية.
هذه العملية تسعى إلى “الاستفادة من الخبرات والكفاءات ودمجها وأيضاً تأهيل الخبرات والكفاءات الموجودة حالياً بالنخب التي كان لها خبرة عملية قبل الثورة”، وبذلك تضمن الدولة خلق توازن بين الكوادر الجديدة والقديمة وتؤسس لجيش وأمن أكثر انضباطاً وتماسكاً قادرين على حماية الدولة والمواطن.

وفي السياق ذاته، لا تقتصر أهمية هذه الخطوة على الداخل السوري، بل تمتد لتشكل رسالة بالغة الأهمية للمجتمع الدولي، ففي عالم يراقب عن كثب مسار الانتقال السياسي في سوريا تقدم هذه المبادرة دليلاً ملموساً على جدية الحكومة في بناء نظام مستقر وشامل فهي تعزز “الثقة الخارجية المهمة التي تحتاجها الحكومة السورية في أن ينظر إلى عملية الانتقال السياسي في سوريا  إلى أنها تسير بخطا متزنة وخطا ضامنة بشكل حقيقي للاستقرار”، وكما يشير علوان فإن هذه المصداقية الدولية ضرورية لجذب الدعم السياسي والاقتصادي اللازم لإعادة الإعمار وتثبيت مكانة سوريا كدولة فاعلة ومسؤولة في محيطها الإقليمي والدولي.

تحديات التنفيذ بين الرؤية والواقع
على الرغم من وضوح الرؤية الاستراتيجية فإن طريق التنفيذ محفوف بالتحديات، لذلك يتحدث الباحث  علوان عن وجود “جزء من التحديات البيروقراطية والقانونية وحتى اللوجستية”؛ لكنه يؤكد في الوقت ذاته أنه “سهل على الحكومة السورية أن تجد حلاً لذلك على المستوى القانوني والمستوى الإداري”.
من الجدير بالذكر، أن موقع “غلوبال فاير باور” وضع الجيش السوري خلال تصنيف يعود لعام 2022 في المرتبة السادسة عربياً، أما في التصنيف العالمي فقد احتل المركز 47 من أصل 138 جيشاً وفقاً لـ50 مؤشراً من بينها القوة العسكرية واللوجيستية.
وبالتعريج عن السؤال الذي يطرحه البعض: لماذا تأخرت هذه الإجراءات الرسمية؟ يجيب علوان: بأن “العملية بدأت بشكل غير رسمي منذ فترة طويلة، لكن الحكومة كانت بحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي خاصة للمؤسسات الأمنية حديثة التأسيس”، واليوم وبعد اكتمال الهيكلة الأساسية باتت الحكومة “أكثر استعداداً لتقوم بهذه المبادرات على شكل قرارات”، ما يفتح الباب أمام مشاركة أوسع وأكثر تنظيماً لكل الكفاءات السورية في بناء مستقبل وطنهم.

آخر الأخبار
آليات لتسهيل حركة السياحة بين الأردن وسوريا دمج الضباط المنشقين.. كيف تترجم الحكومة خطاب المصالحة إلى سياسات فعلية؟  قمة المناخ بين رمزية الفرات والأمازون.. ريف دمشق من تطوير البنية الصحية إلى تأهيل المدارس   زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي     تحسن ملحوظ في سوق قطع غيار السيارات بعد التحرير  "إكثار البذار " : تأمين بذار قمح عالي الجودة استعداداً للموسم الزراعي  دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء