الثورة – أحمد صلال – باريس :
يشبّه الفنان موفق قات الكاريكاتير بالعدسة المكبّرة التي تُستخدم لإظهار التفاصيل الصغيرة، للتركيز على ما قد يبدو غير مهم في الواقع، ثم يُضخمه ليتضح حجمه وأثره. وهنا يلتقط الكاريكاتير الأخطاء أو الممارسات السيئة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية في المجتمع، ويُظهرها بشكل يلفت الانتباه. وإن هذا التضخيم ليس عبثياً، بل يهدف إلى توضيح النقاط أو القضايا بطريقة تجعل المتلقي يُدرك حجم المشكلة، بدلاً من المرور على الأخطاء من دون ملاحظة.

أسلوب الفنان قات في فن الكاريكاتير له تأثير عاطفي و فكري في آن معاً.
“الثورة” حاورته بشفافية مطلقة، كفنه المباشر واللاذع والذي يقول للمتلقي.. قف هنا عند اللوحة وتأمل!.
– إلى أي مدى يمكن النظر إلى فن الكاريكاتير كفن معاصر يومي ومعني بهموم الناس؟
هموم الناس هو الموضوع الأساسي الذي يتناوله فن الكاريكاتير، وهو المصدر الرئيس الذي يحرض على الإبداع، من خلال هموم الناس ومشاكلهم وعبر الفكاهة والسخرية، يستطيع الفنان أن يرسل رسائل مهمة لإلقاء الضوء على مشاكلهم. الكاريكاتير هو عدسة مكبّرة تضخم الأخطاء كي تصبح واضحة ولكن بأسلوب مؤثر وجميل.
في المجال السياسي، يساهم الكاريكاتير في تسليط الضوء على جوانب الفشل في عمل الحكومة والسلطة، مما يساعد المسؤولين على اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، فالسلطة القوية لا تخشى الكاريكاتير السياسي، في حين أن السلطة الضعيفة التي يحكمها الفساد تخشاه، وقد شهدت سوريا على مدار ستين عاماً كيف كانت الصحف تعجز عن نشر كاريكاتير ينتقد الجيش الذي كان يسرق.
– كيف تنظر إلى أهمية الكاريكاتير في تشكيل الرأي العام أو في توجيهه حول القضايا الوطنية وهموم المجتمع؟
لقد كانت سلطة الأسد، التي تملك الدبابات والطائرات، تخشى خطوطاً مرسومة بالحبر الصيني، لأن السلطة جبانة، وفي الثامن من ديسمبر عندما انتصرت الثورة وهربت السلطة، ظهر بوضوح أن من كان يحكم هو لص وجبان.
– كيف يمكن تعزيز ممارسة حرية التعبير من خلال فن الكاريكاتير؟
يحتل رسام الكاريكاتير مكانة متقدمة في مجال الحرية، فهي البيئة التي يبدع فيها، والحرية هي مسؤولية الإنسان الواعي الملتزم بضميره، فقد دفع العديد من الفنانين أرواحهم من أجل الحرية وقول الحقيقة، ومن خلال رسوماته، يسعى الفنان إلى تفادي الصدام مع السلطات، ويعتمد على الرموز والإشارات بلغة ساحرة تلامس قلوب الناس وتعبر عن آرائهم، فتحفزهم على التفكير وتغيير وجهات نظرهم، وتجعلهم ينتبهون لأمور لم تكن واضحة من قبل.

– أنت أحد رواد صناعة أفلام الأنيميشن في سوريا، كيف تقيّم تجربتك هذه؟
فن الرسوم المتحركة هو فن جماعي يتطلب تمويلاً ودعماً من الدولة، التي تلعب دوراً مهماً في نشر الثقافة من خلاله. ويعد هذا الفن الأكثر تأثيراً على الأطفال مقارنة ببقية الفنون، حيث يمكن من خلاله طرح أفكار إبداعية تساهم في بناء جيل عصري يواجه المستقبل.
وعلى الرغم من أن جميع الأفلام التي قمت بإخراجها قد حازت على جوائز، إلا أنها لم تؤسس لصناعة متكاملة، إذ تُعتبر من نوع سينما المؤلف، وقد كان بعضها بدعم من المؤسسة العامة للسينما، والبعض الآخر من القطاع الخاص. وفي سوريا، تم تأسيس عدة شركات أفلام كرتون، وكانت هناك بداية واعدة، لكن الظروف السياسية والحراك الثوري أديا إلى توقف كل شيء، وتهجير معظم الفنانين، وقد تأسست دائرة الرسوم المتحركة في التلفزيون العربي السوري عام 1983، ولكن على مدار 25 عاماً لم تُنتج أي فيلم طويل.
– أقيمت لك عدة معارض فنية في كندا، كان آخرها قبل شهر، كيف تقيم هذه التجربة؟
لقد أقمتُ ثلاثة معارض تشكيلية في كندا، ولكن للأسف، أصبح الفن التشكيلي ترفاً بالنسبة للكثيرين، ففي ظل هيمنة الشاشات، قلّ الاهتمام وأصبحت المعارض أقل حضوراً مما كانت عليه في السابق، أما بالنسبة لي، فإن الرسم يمثل مساحة الحرية الوحيدة، واللعب بالألوان يشبه براءة الطفولة، وكأنه الغناء في الحمام، متعة ذاتية بحد ذاتها.
– هل تعتقد أن الفن يلعب دوراً في التعريف بالثقافة العربية في بلدان الاغتراب والمنفى؟ وفي خلق التواصل مع المجتمعات الجديدة؟
يُعتبر الفن لغة تواصل بين المجتمعات الجديدة التي تستقر في بلدان أخرى، ولكن تأثيره يظل محدوداً، ذلك لأن وسائل التواصل هي التي تهيمن على جميع الأنشطة، ومن خلالها يمكن التأثير بشكل أكبر من أي معرض أو حفلة موسيقية.
– كفنان تشكيلي، كيف تنظر إلى التحولات القائمة في سوريا اليوم؟
إن التحولات في سوريا إيجابية، فإزالة نظام المافيا وحدها تبعث الأمل. أنا متفائل بما يجري في سوريا، وعندما تتجول في وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنك أن تلمس الحرية الحاضرة الآن.
فالكثير من الأصدقاء الذين يعيشون في الخارج، صمتوا خلال حكم اللصوص، وأعني حكم الديكتاتورية الأسدية، أصبحوا الآن يعبرون بصوت عالٍ ويعارضون دون خشية على ذويهم في سوريا، كما كان يحدث في السابق.
– كيف تنظر إلى مستقبل حرية الرأي والتعبير في سوريا، بين عهد الديكتاتوريات وزمن التغيير القادم؟.
إن القمع الطويل والفساد العميق لن يزول تأثيرهما في فترة قصيرة، فمستنقع الأسد الإرهابي قد لوث كل السوريين، وبالتالي نحن بحاجة ماسة إلى إعادة التأهيل على جميع الأصعدة في الفن، القضاء، الاقتصاد، والجيش.