“القطعة بليرة.. وما معنا الليرة”من قلب أسواق دمشق.. تنزيلات على الورق ووجعٌ في الجيوب

الثورة – علا محمد:

لم يكن مشهد الأسواق الدمشقية هذا العام شبيهاً بما سبقه، ففي جولة لصحيفة الثورة على محال الألبسة والأحذية وسط العاصمة، بدا واضحاً أن لافتات “تنزيلات” و”أسعار مخفّضة” تنتشر بكثرة، لكن خلف هذه الصورة تقف حكاية أكثر تعقيداً، فالتجار يتحدثون عن انخفاض طفيف بالأسعار، بينما المواطنون ما زالوا يشتكون من ضعف القدرة الشرائية.

انخفاض أسعار..

ولكن”الثورة” التقت عدداً من أصحاب محال الألبسة والأحذية، الذين أكدوا أن الأسعار انخفضت بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي.

يقول ماهر الحسن، صاحب محل ألبسة نسائية: “العام الماضي كانت الأسعار مشتعلة بشكل لا يُحتمل، أما هذا العام فهي أقل بشكل واضح، والسبب يعود لتخفيف بعض العقوبات وانعكاسها الإيجابي على حركة الاستيراد والشحن، إلى جانب انخفاض نسبي في سعر الدولار وتخفيف إجراءات الجمارك التي كانت ترهق التجار”أما فادي العلي، صاحب محل أحذية، فيعتبر أن الانخفاض “بسيط.. لكنّه ملموس”،ومن المتوقع أن يكون أكبر مع قدوم فصل الشتاء.

في حين يرى جهاد المصري، بائع في محل ألبسة، أن المفارقة تكمن في أن الأسعار أفضل من قبل، لكن حركة الشراء أقل بكثير من العام الماضي ووصفها بالـ” السيئة” وعلى حدّ قوله: “الناس لا تملك السيولة الكافية وتكتفي بشراء الضروري فقط”.

الرغبة موجودة والقدرة غائبة

الآراء بين المواطنين لم تختلف كثيراً عن هموم التجار، إذ أكدت رانيا محمود، موظفة في القطاع العام، أن الزيادة الأخيرة على الرواتب لم تُحدث فارقاً حقيقياً، وتقول: “نتجول في السوق ونرى العروض، لكننا لا نشتري إلا ما نحتاجه فعلاً”.

أما سحر عبد الله، موظفة في القطاع الخاص، فتشير إلى أن وضعهم “أفضل قليلاً من موظفي القطاع العام، لكنها توضح أن مجال الرفاهية مفقود تماماً رغم الانخفاض.

وتضيف أم لؤي، ربة منزل: “التسوق صار مجرد مشاهدة، نشتري لأولادنا فقط، أما الرفاهية فغابت”.

فيما لخّصت طالبة جامعية المشهد بعبارة ساخرة: “القطعة بليرة.. وما معنا الليرة!”، في إشارة إلى أن أي انخفاض في الأسعار لا قيمة له إذا بقيت الجيوب فارغة.

المستقبل.. تحديات وفرص

وفي قراءة أوسع للوضع الاقتصادي في الأسواق السورية، أكد الخبيرالاقتصادي ورئيس مجلس النهضة السوري، عامر ديب، أن الانخفاض الطفيف في الأسعار يعود بشكل رئيسي إلى فتح الاستيراد ووجود أصناف جديدة للمستهلك تنافس المنتج المحلي، الذي كان المواطن يعاني منه 14 سنة بسبب الاحتكار وسوء جودة المنتجات.

وأوضح أن المنتج المحلي لم يكن في السابق يغطي حاجيات السوق، وكان يتحكم بالإنتاج ورفع الأسعار لتحقيق المزيد من الأرباح، وهذه الحقيقة لا ينكرها أحد، مؤكداً أن جميع المواطنين السوريين يعلمون أن الصناعي المحلي لم يكن يوماً سنداً لهم.

وأضاف ديب: “فكيف سيكون المواطن السوري سنداً لصناعته التي نهبته وقدمت له بضاعة بجودة سيئة طوال 14 سنة؟.

ليكون التوجه الأكبر نحو البالة التي كانت جودتها أفضل وأسعارها أقل بنسبة 40 بالمئة”.

وأكد الخبير أن السوق اليوم بحاجة لأفكار جديدة لتغيير فكرالصناعي المحلي، لأن الأسواق تغيّرت ولم تعد كما كانت في السابق، أما فيما يخص العوامل الجمركية، فبين ديب أنها تساهم في إمكانية انخفاض أكبر للأسعار، لكن تراجع القوة الشرائية وحركة العرض والطلب خلق توازناً سعرياً، لذلك فإن انخفاض الأسعار الحالي لا يتناسب مع انخفاض سعرالصرف.

وأوضح أن هناك دولاً متراجعة اقتصادياً لكنّها تتمتع بأسعار منخفضة، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني قوة اقتصادية حقيقية، بل يعكس وجود قوة شرائية وتوازن بين العرض والطلب، مضيفاً: إن حركة الأسواق ترتبط بالعرض والطلب والقوة الشرائية، وإن انخفاض النشاط التجاري يعود إلى تراجع بيئة الأعمال وعدم وجود استقرار اقتصادي، رغم جهود الدولة في تشجيع وتحفيز الاستثمارات في سوريا.

وحذر ديب من أن غياب دور حماية المستهلك وترك السوق للمضاربة والاستغلال من قبل التجار والباعة أمر سلبي، مؤكداً أنه لا دولة في العالم تترك الأسواق بلا ضوابط واضحة لمراقبة الأسعار وضبط حركة السلع.

أوضح الخبيرأن التجار كانوا يعيشون في السابق :”زمن النظام البائد” بشكل أفضل، إذ كانت عمليات استيراد البضائع محدودة ومحكومة، ما سمح لهم بعمل صفقات خفية لزيادة أرباحهم، وكان التهريب ناشطاً بشكل كبير، بينما اليوم، ومع انفتاح الأسواق، تراجع التهريب بنسبة 80 إلى 90 بالمئة، وأصبح كلّ شيء متوفراً للمستهلك، ما أتاح تنوعاً أكبر في السوق.

وأضاف ديب: “توقعات انخفاض الأسعار في فصل الشتاء تعود إلى انخفاض الطلب الموسمي، ما يؤدي إلى انخفاض العرض، وليس لأن الأسواق قوية اقتصادياً، خاصة مع غياب الحركة السياحية التي تعوّض تراجع القوة الشرائية المحلية”.

حماية المستهلك ودور الدولة

وأكد الخبير ضرورة تدخل الدولة لحماية المستهلك وتنظيم حركة الأسواق، مشيراً إلى عدة إجراءات داعمة، منها تقديم قروض استهلاكية بشروط ميسرة، أو دعم بعض السلع لموظفي القطاع العام بشكل خاص، وشدد على أهمية تعاون المواطن مع الدولة بالإبلاغ عن أي حالة خلل بالأسعار، لأن المواطن اليوم يتعرض للاستغلال ليس في الأسواق فقط، بل بالقطع الصناعية والتجارية والفنادق، وغيرها.

وعن الانخفاض الحالي للأسعار، قال ديب: إنه لا يمكن اعتباره كافياً، إذ يبلغ حالياً 6 -7 بالمئة فقط، مؤكداً أنه يجب أن يكون بين 12 و14 بالمئة ليحقق أثراً حقيقياً على القدرة الشرائية.

ونوه في ختام حديثه بتأثير بعض القرارات الصادرة مؤخراً، حين قال: “قرار وزارة الاقتصاد بالسماح باستيراد الألبسة والأحذية كان قراراً صائباً جداً، لكن قرار منع استيراد بعض الخضار والفواكه قبله بيومين كان غير جيد، لأن توازن السوق يتطلب ضبطاً للعرض بما يتناسب مع الإنتاج المحلي”.

وأشار إلى أن تراجع الإنتاج الزراعي والثروة المائية والحراجية وحرائق الغابات أدى إلى ارتفاع الأسعار بسبب نقص الحصة السوقية، ما يستدعي استمرار فتح الاستيراد لحين إعادة تأهيل الأراضي الزراعية.

خلاصة المشهد

تبدو الأسواق اليوم وكأنها تعيش معادلة صعبة، ويبقى السوق الدمشقي شاهداً على أن الاستقرار الاقتصادي لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بمدى قدرة المواطن على الشراء.

آخر الأخبار
"أوقاف درعا الشعبية" تدعم المستشفيات وجرحى أحداث السويداء تطوير منظومة النقل في حلب وتنظيم قطاع المركبات الزراعة بريف حلب بين التحديات والفرص ارتفاع كبير ومفاجئ للأسعار في أسواق طرطوس.. والرقابة غائبة! "شفاء 2".. يداً بيد لتخفيف معاناة المرضى .. 100 طبيب سوري مغترب لتقديم الرعاية الطبية والجراحية المج... ضربات الشمس تحت السيطرة.. وقطاع الإسعاف في خط الدفاع "ضاحية قدسيا" بين تحديات الواقع الخدمي وآمال الدعم الحكومي  خدمات متردية في السكن الشبابي ومساحا... من مظاهرات الثورة السورية في باريس.. فرح أورفلي: صوتنا حق ثائر في زمن القمع استنزاف خطير للمياه الجوفية.. والمسألة تحتاج لتدخل عاجل  أغاني الثورة والحرية والتراث.. تختتم "مهرجان الشمس" "القطعة بليرة.. وما معنا الليرة"من قلب أسواق دمشق.. تنزيلات على الورق ووجعٌ في الجيوب في ظل غياب الرقابة.. لهيب الأسعار يحرم السوريين مؤونة الشتاء.. والفواكه رفاهية 80 شركة سعودية ثبتت للمشاركة بمعرض دمشق الدولي ..خبراء لـ"الثورة": السعودية ماضية في دعم استقرار الب... أسعار الأسواق ..منغصات يومية تثقل كاهل المستهلك ... أهال : لم نعد نفكر باللحوم والفواكه!.   إلى متى سيظل المواطن أسير دوامة الأسعار..؟ أصناف من الخضار باتت من الكماليات الثقافة الاجتماعية بأبهى صورها..تكاتف المواطنين ورجال الإطفاء لإخماد الحرائق الأثاث المنزلي بين حلم الشباب في حلب وكابوس الغلاء إدلب تطلق حملة "نروي ظمأهم" لتزويد المخيمات غير المدعومة بالمياه ضمن خطة شاملة لإعادة تأهيل المساجد.. اجتماع لبحث ترميم الجامع الأموي الكبير في معرة النعمان الملك عبد الله الثاني يرفض "رؤية إسرائيل الكبرى" ويؤكد وقوف الأردن مع وحدة سوريا