زيارة قصيرة لا بل عابرة حتى، إلى واحدة فقط من مناطقنا التجارية التي تنتشر فيها وبكثرة المطاعم والكافيات والمولات..، كافية للوقوف على حجم البطر “الطاقي” الذي تعيشه تلك المحال، ليس فقط لجهة الكميات الكبيرة جداً المستجرة من الكهرباء، وإنما لما يتبعها ويلحق بها أيضاً من استهلاك آلاف لا بل عشرات الآلاف من ليترات البنزين والمازوت التي يتم حصولهم عليها من الدولة “بالسعر الصناعي أو الحر” أو من السوق السوداء، لزوم تشغيل مولداتهم العملاقة، الأمر الذي دفع بالكثيرين من رواد تلك المحال والمارة وحتى زوار المدينة أو المنطقة للاعتقاد إلى أزمتنا الطاقية “كهرباء ـ بنزين ـ مازوت ـ غاز” قد ولت إلى غير رجعة، وأن عصر الوفرة عاد من أوسع أبوابه، والدليل هو التبرج الكهربائي اللاعقلاني الحاصل اليوم.
مناسبة هذا الحديث، ليس فقط تداعيات الحرب الكارثية على سورية، ولا بتأثيرات العقوبات الاقتصادية اللا إنسانية واللا أخلاقية التي نتعرض لها، ولا بالتراجع الحاصل بالكميات الموردة من مادة الغاز إلى المحطات، ولا بالانخفاض المسجل على مؤشر التوليد، وإنما “وبشكل حصري” بحالات إفراط ومغالاة وإسراف ومبالغة وهدر وتبذير البعض في إنارة واجهات محالهم ومطاعمهم وشركاتهم ومكاتبهم ومعارضهم وأبنيتهم “اللافتات ـ الواجهات ـ الأسوار ـ المداخل ـ المخارج ..” ، وصولاً إلى المراكز التجارية والأبنية الحكومية والساحات والشوارع العامة ..، واستخدامها وبشكل عشوائي ليل ـ نهار “كديكورات استعراضية بصرية بأشكال واستطلاعات ومساحات غير هينة”، كلّ ذلك للفت نظر وشد انتباه المارة الذين يتناوبون وبالآلاف على رسم علامة استفهام وتعجب واستغراب ودهشة وتذمر تفوق بحجمها بطر هؤلاء الذين يبدو أنهم لا يريدون أن يعرفوا أو يفهموا أو يستوعبوا أن ممارساتهم الهدرية هذه “وتبرجهم” لا يشفع لها ولا يبررها قيامهم بتسديد قيم هذه الكميات اللا منطقية واللا مقبولة واللا معقولة المستجرة، كون العبرة هنا ليست بمن يستجر أكبر ويدفع أكثر، وإنما بمن يقتنع ويؤمن أن الدولة تعمل بكلّ طاقتها لتأمين ما يمكن تأمينه وتوفيره من المشتقات النفطية للتدفئة وللنقل وللزراعة وللصناعة .. ولتوليد وتوزيع الكهرباء “بنسب متفاوتة” على كافة المشتركين النظاميين لا مستجري الطاقة بطرق وأساليب غير مشروعة، وعدم حرمان أحد منها، والحيلولة دون تسجيل زيادات غير محمودة في الأحمال، وقطع دوري للكابلات، وحرق مستمر للمحولات، وتوقف مفاجئ للعنفات، وخروج مؤقت للمحطات، وزيادة الطلب على المشتقات النفطية وقلة بالعرض، وإنفلات بالأسعار.
العبرة هنا بمن يؤمن ويبصم “بالعشرة” أن وجه قطاعنا الطاقي “الكهربائي والنفطي” لا يتحمل اليوم .. اليوم تحديداً .. المزيد من التبرج، وإنما لعقلنة الاستهلاك “وبس” ولا شيء إلا العقلنة.. والبداية ليست من القطاع التجاري فحسب، وإنما المنزلي أيضاً الذي يسجل “عندما تكون الكهرباء متوفرة” أعلى نسبة استجرار وأكبر كمية هدر.
الكنز- عامر ياغي