الروائي ثائر الزعزوع لـ “الثورة”: الكتابة ورطة.. لا جائزة تقدم على طبق من ذهب

الثورة – أحمد صلال – باريس:

يمثل الأديب السوري ثائر الزعزوع حالة متقدمة في الإبداع العربي عموماً، والسوري على نحو خاص، ولعل سرّ تميز الزعزوع، أنه يكتب بحساسية في الشعر والرواية لم تألفها الكتابة السورية على هذا المستوى العميق المحتشد بعناصر الاختلاف والمفارقة، صاحب الديوان الأول “لأنه الوقت لأنك امرأة” متعدد الإبداع، فهو إلى جانب الرواية والشعر يكتب في الصحافة ويعشق السينما. صحيفة “الثورة” كان لها الحوار التالي:

– الشاعر والروائي السوري ثائر الزعزوع، حدثنا عن بداية شغفك الأدبي في البدايات.

في الحقيقة لا أستطيع أن أذكر البدايات تماماً، لكنني أذكر أني كنت مولعاً بالكتب، كنت أشعر بانجذاب للمكتبة، في بيتنا، في بيت جدي، وكنت في سنّ مبكرة، أقرأ أشياء لا أفهمها، لا أدري ربما في الصف الأول الإعدادي، قرأت كتاباً اسمه رأس المال، طبعاً لم أفهم منه شيئاً، وقتها، وقد أصابني الملل، حتى وقعت على كتاب المعلقات العشر، فانجذبت إليه، وكنت مسحوراً لذلك الكم الهائل من المفردات الغامضة، والموسيقا الساحرة، ثم بدأت علاقتي بالشعر تتوطد أكثر، حين تعرفت على أشعار أبي العلاء المعري، أذكر جيداً، من خلال برنامج إذاعي كان يبث على إذاعة دمشق، استمعت إلى قصيدة لأبي العلاء المعري، الذي ما زلت، حتى اليوم، أعتبره شاعري الأول، وكان صوت السيدة التي تقرأ القصيدة عذباً رشيقاً، وصرت أحاول تقليد طريقة الإلقاء، ثم حاولت شيئاً فشيئاً الكتابة، أعلم الآن، مثلاً أن كتاباتي الأولى كانت ساذجة جداً، إذ كنت أحاول على الأغلب تقليد الشعر العربي القديم، ثم كتبت عدة أبيات، أستطيع أن أقول اليوم: إنها كانت حداثية نوعاً، كانت القصيدة عن نهر الفرات، ربما تلك القراءات الأولى، وذلك الشغف بالشعر العربي، هو ما حدد فيما بعد ملامح حياتي كلها، من دون أن أخطط لها، فقد اتجهت لدراسة اللغة العربية في الجامعة، لكني أصبت بخيبة أمل، بصراحة، لأن الدراسة كانت مملة، واسمح لي أن أقول سخيفة، مدرسية، تقتل روح الإبداع، وتفقد الأدب معناه، ثم حدث بعد ذلك أن تورطت في الأدب، حين أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى “لأنه الوقت لأنك امرأة” عام 1993.

– يشدّد الروائيّ السوريّ ثائر الزعزوع على أنّ الرواية تظلّ عالماً أرحب من الصورة، وأنّ الخيال الروائيّ يكفل للرواية التجديد الدائم، وأنّ الرواية شكلت ولا تزال تشكل مستنداً رئيساً في عالم الصورة، أشرح لنا ذلك؟

ربما أكون من المؤمنين بالنص، وفي البدء كانت الكلمة، رغم أني عاشق للسينما، وأحب مشاهدة الأفلام كثيراً، ورغم التطور الهائل الذي حققته السينما، من حيث التقنيات والإبهار البصري، لكن هذا عمل جماعي كبير وهائل قد يستغرق شهوراً، فيما يستطيع النص المتقن أن يرسمه في مجموعة من الجمل، أحفظ عن ظهر قلب مقطعاً عبقرياً من رواية غابرييل غارسيا ماركيز “الحب في زمن الكوليرا” وقد شاهدت الرواية مجسدة سينمائياً، في أكثر من نسخة، لكن جميع تلك النسج عجزت عن أن ترسم تلك الصورة الهائلة التي رسمها ماركيز، وحدث الأمر نفسه مع روايات كثيرة، إذ ظلت الصورة قاصرة عن اللحاق بالنص، وأصلاً لا يمكن صناعة صورة جميلة من دون الاستناد إلى نص، لذلك برأيي سوف تظل الرواية أكثر قدرة على تحريض الخيال الإنساني، من الوجبات الجاهزة التي تقدمها السينما، وهذا لا يقلل أبداً من قيمة المنجز السينمائي على الإطلاق، بل لعله يكون حافزاً ومحرضاً.

– هل فعلاً أثرت الجوائز العربية الجديدة في مضامين الرواية وساهمت بالتالي في توجيهها؟

لا أستطيع حقيقة أن أحاكم مضامين الروايات التي فازت أو رشحت لجوائز، لأنني أولاً وأخيراً، أؤمن بحرية الكتابة، لكنني أعتقد أنها ربما أوجدت وصفة سحرية للفوز، لا أدري ما هي تماماً، لكن أذكر أن رواية فازت بجائزة ما، على ما أعتقد، بسبب غرابة موضوعها، وبعد سنتين فازت رواية أخرى بجائزة مختلفة، وكانت تعالج الموضوع نفسه، وقد قرأت الروايتين لاحقاً، وأستطيع القول إنه فعلاً ثمة أشياء مشتركة كثيرة بينهما، لكني لا أستطيع إلقاء التهم جزافاً، فهذه مهمة النقد، أولاً وأخيراً.

– ما أهم الأعمال الروائية العربية منها والعالمية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

لا يمكنني القول: إن ثمة أعمالاً بعينها أثرت في كتابتي، لأنني قرأت كثيراً، لكني، على سبيل المثال، كنت ولا أزال مفتوناً بألف ليلة وليلة، وهو كتاب أحب قراءته كل عام، من دون أن أشعر بالملل، أعجبت بروايات “جورجي أمادو، وميغيل أونامونو، وسرفانتس، وعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، وغائب طعمة فرمان”، لكن، وبصراحة، أكثر ما أثر بي هو حكايات كبار السن، العجائز، حتى طريقتهم في السرد، بالنسبة لي، تظل طازجة، وفيها روح، وأنا كائن يحب الحكايات.

– صدرت لك ثلاث روايات ومجموعتان شعريتان، جميعها كنت تشعر أنك تسرعت في إصدارها، ولكنك لم تندم، كنت تشعر دائماً وبعد أن يصبح الكتاب بين يديّك مطبوعاً، أنه كان يجب أن أتمهّل قليلاً، أن أعطيه وقتاً أكثر، كيف تواصل هذه السردية؟ نعم، هذه مشكلة بالنسبة لي، ولذلك أظل متردداً في النشر، وبصراحة، خلال السنوات الخمس المنصرمة، قمت بتمزيق عملين منجزين تماماً، مشكلتي مع الكتاب هي نقطة النهاية، كيف أضعها أو متى، وحين أضع تلك النقطة، أسأل نفسي مراراً، هل تسرعت؟ ألم يكن عليّ أن أتريث قليلاً؟ حين يخرج العمل من بين يدي، أقرؤه وكأنه غريب عني.

رواية “سلطة أصابع” التي صدرت عام1018 والتي جاءت بعد ثمانية عشر عاماً من التوقف، استعنت بصديقين عزيزين لأستفيد من رأيهما، ولأرى فيما إذ كانت فعلاً منجزة أم هي في حاجة إلى شيء ما، وقد استمعت إلى ملاحظاتهما بكل حب، ولكن كان رأيهما مهماً بالنسبة لي، لأن أياً منهما لم يقل إنها مثلاً ليست منجزة، وسأقول لك شيئاً، ربما يكون مضحكاً، بعد أن صدرت الرواية، وتسلمت النسخ من الناشر، قرأتها للمرة الأولى، فأنا لم أقم بمراجعتها قبل إرسالها للنشر، لأني خفت أن أتردد في نشرها.

بالمناسبة، وحتى حين أقرأ كتاباً ما، لأي كاتب يكون لدي الإحساس نفسه، بعض الأعمال لا أستطيع حتى إكمال نصفها، لأني أجد فيها خللاً كان يمكن تلافيه بسهولة.

– لماذا ترى أن الروائيين السوريين لم يستوعبوا جيداً مفهوم الرواية الجديدة؟ لا أبداً، أنا لا أستطيع أن أطلق حكماً قطعياً بهذا الشكل على عموم الروائيين السوريين، ولا أؤمن بنظرية الرواية الجديدة أو الرواية القديمة، لكن مشكلة الرواية العربية المعاصرة بشكل عام أنها تبحث عن الحكاية، القصة يعني، وقلة هم الروائيون الذين يبحثون في فكرة الأسلوب نفسه، وبرأيي أن الرواية ليست حكاية بمقدار ما هي أسلوب، ويمكن القول إن ثمة استسهالاً في نسج الحكايات، مع أننا نعيش في زمن تطغي عليه الصورة، فلم تعد، إلا نادراً، تعثر على الصورة في الرواية، هنالك أسماء روائية، لديها شعبية، لأسباب عديدة، لست في وارد ذكرها، لكنها، وللأسف تكتفي بسرد حكايات، من دون أن تخلق لنفسها أسلوباً يميزها.

– أحياناً يحسّ القارئ أن الروائي السوري الجديد صار مشغولاً ببعض الألاعيب السردية على حساب الكتابة، هل يدخل هذا الأمر في سياق سوء فهم للرواية الجديدة؟ الألاعيب السردية، قد تكون مقبولة، إذا لعبت بعناية، وفي الأخير سيصطدم أي كاتب بالجمهور، فإما أن يتفاعل مع تلك “الألاعيب” أو يرفضها، وفي حال رفضها الجمهور، فسوف يجد الكاتب نفسه في ورطة حقيقية، إذ كيف يمكن أن يعيد علاقته مع القارئ بعد أن تسبب هو نفسه بفقدان تلك العلاقة.

الكتابة هي تجربة حياة، وليست مجرد نزهة عابرة، وهي ورطة، وليست جائزة تقدم على طبق من ذهب، فإما أن يتمكن الكاتب مع تكوين علاقة طيبة مع القراء، من خلال ما يكتبه طبعاً، وبهذا يستطيع أن يمارس ما أسميته “ألاعيب السرد” بإتقان، أو أن يفقد القارئ، وساعتها لن تنفعه كثيراً، الأصل في الكتابة هو اتقانها أولاً، تماماً مثل لعبة الشطرنج، فأنا لا أستطيع الخروج على قواعد اللعبة من دون أن أتقن تلك القواعد أصلاً، وإلا فإني قد أحرك القلعة كما قد أحرك الفيل، وساعتها سيقال بأني لاعب فاشل.

وبالمناسبة أنا لا أحب لعبة الشطرنج، لأنها تشعرني بالملل.

– كيف يقرأ ثائر الزعزوع، الرواية السورية الراهنة؟ هل نحن فعلاً أمام تحوّل أدبي أم أن ما نعيشه هو فقط وفرة في الكتابة؟ للأسف، لم يتسن لي بسبب ظروف المنفى، وعدم توافر الكتاب الورقي بشكل دائم، قراءة جميع المنتج الروائي السوري خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، لكنني قرأت عدة روايات، ربما لا تتجاوز العشرة، وقرأت منذ فترة مقالة نقدية للصديق الدكتور نبيل سليمان عنوانها طوفان الرواية السورية، يذكر فيها أن هنالك ما لا يقل عن خمسمئة رواية سورية صدرت خلال السنوات العشر الأخيرة، وهذا “الطوفان” كما وصفه نبيل سليمان في حاجة إلى عدد لا بأس به من النقاد لمجاراته، وتحليله.

وطبعاً لا يوجد سوى بضع مقالات صحفية، كثير منها كتبها صحفيون غير مختصين بالنقد، وبعض تلك المقالات كانت مجاملات بين أصدقاء، وهذه لا يعول عليها لتكوين رأي نقدي، وهنالك روايات سورية رشحت أو فازت بجوائز، وهذا يعني أن ضمن “الطوفان” ثمة أعمال مميزة، وفي الأخير أنا لست ناقداً للرواية، لذلك لا استطيع أن أطلق أحكاماً، فيما إذا كانت تلك وفرة في الكتابة أم تحول أدبي، نحن في حاجة إلى دراسات نقدية حقيقية وعلمية.

آخر الأخبار
ساعتا وصل مقابل أربع ساعات قطع بكل المحافظات وزير الطاقة: الغاز الأذربيجاني يرفع إنتاج الكهرباء ويحس... صيف السوريين اللاهب.. قلة وصل بالكهرباء.. والماء ندرة في زمن العطش الخارجية السورية: المفاوضات مع "قسد" مستمرة في الداخل واجتماعات باريس ملغاة 40 ألف طن إنتاج درعا من البطيخ الأحمر خاصة الخضار الموسمية.. ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية بحلب عصام غريواتي: استئناف خدمات غوغل الإعلانية بمثابة إعادة اندماج تحديد إلزامية إبراز الثمن الفعلي في عقود البيع العقاري في سوق العطش.. للتجار كلمة الفصل تضاعف أسعار خزانات المياه حاكم "المركزي ": قطر شريك أساسي وداعم فاعل للسوريين وللاقتصاد الوطني نهاية موسم وتبدل سعر الصرف.. ارتفاع ملحوظ بأسعار الخضار والفواكه وزير المالية يعلن إصدار قرارين لتسهيل الإجراءات المالية متابعة أعمال ترميم المدارس في خان شيخون والقرى المحيطة افتتاح قسم "الطبقي المحوري" في مستشفى جاسم الوطني درعا عطشى والجهات المعنية تحذر.. تعديات بـ "الجملة" وآلاف الآبار المخالفة الحكومة السورية تأمل في التوصل إلى اتفاق مع "قسد" لمنع الصراع بين حرارة الجو ولهيب الأسعار.. معركة المواطن المعيشية تتأزم هل السوق قادرة على الاستغناء عن الاستير... ترامب يتحدث عن تقدم ملموس في العلاقات مع روسيا صيغة سوريا الموحدة تلقى إجماعاً دولياً.. والتقسيم فكرة خطيرة على المستوى العالمي الرئيس اللبناني: نسعى لتحسين العلاقات مع سوريا والارتقاء بها طارق الخضر: نطالب بتمديد ساعات استقبال الفواكه والخضار لتصديرها عبر المطار