الثورة – ثورة زينية:
ليست بالأزمة الجديدة على السوريين، فلقد اختبروا الكثير من الأزمات على مدى العقود الماضية، لكنها هذه المرة أكثر قسوة وتكاملاً في ضرب مقومات الحياة خلال فصل الصيف الحالي الذي يمر بطيئاً مثقلاً كاهل المواطن في سوريا بثلاثية العطش والحر والعتمة، تحت وطأة موجة حر خانقة ضربت البلاد خلال الأسبوعين الماضيين، وشكلا الوقت الأصعب في دوامة انقطاع طويل للكهرباء، وتقنين غير عادل بين الريف والمدينة، وحتى بين المناطق نفسها، فأزمة انقطاع الكهرباء بلغت حداً جعل الناس في وضع لا يطاق.
عدد من المواطنين التقتهم صحيفة الثورة للحديث عن معاناتهم خلال فترة وجود القبة الحرارية التي غادرت سماء البلاد يوم أمس، وليس من معلومات حتى الآن إذا كانت البلاد ستتعرض لموجة حر مماثلة خلال الفترة المتبقية من هذا الفصل.
راميا سحلول– موظفة، لم أصادف من قبل ارتفاعاً لدرجات الحرارة بهذا الشكل لكن ما فاقم معاناتنا في مواجهتها أنه في كثير من المناطق، تأتي الكهرباء لساعات محدودة في اليوم ثم تعود العتمة للبيوت والشوارع، وساعة الوصل الموعودة تتحول إلى سباق مع الزمن لشحن الهواتف وتشغيل البراد والغسالة والمكواة في محاولة لإنجاز أكبر قدر من الأعمال المؤجلة ضمن هذه الساعة اليتيمة في وقت لم تعد البطاريات قادرة على الصمود نتيجة الانقطاع الطويل للكهرباء، وصارت مولدات الأمبيرات رفاهية لا يقدر على دفع ثمنها سوى المقتدرون.
شح المياه هدر ما في الجيوب
يقول سفيان المرابط– مهندس معماري: فوق كل هذا الوضع المتعب أصبح شح المياه يهدد أبسط مقومات الحياة، اجتمع هو الآخر مع شدة الحر وانقطاع الكهرباء ليشكل ثلاثية حاصرت المواطنين في أبسط مقومات العيش، وبات البحث عن الماء أو الخوف من نقصانه في الخزانات التي بات معظمها فارغاً في غالب الأحيان تنتظر صهريجاً- إن توفر المال، الذي أضاف عبئاً جديداً، والاضطرار لشراء كل ليتر بثمن يثقل كاهلهم، مضيفاً: لقد غدا الاستحمام رفاهية، وغسل الملابس مغامرة، وحتى شرب الماء يتم بحذر شديد في الكثير من المناطق التي تفتقر لوجود الماء بالأصل.
اختصاصي الأمراض الباطنية الدكتور محمد جزائرلي أكد أن هذه الأزمات الثلاثة لا تكتفي بخنق الحياة اليومية، بل تفتح الباب أمام كوارث صحية: منها ضربات الشمس والتجفاف وأمراض الجهاز الهضمي بسبب تخزين المياه بطرق غير آمنة، مشيراً إلى أن المستشفيات نفسها تعاني من انقطاعات الكهرباء والمياه، ما يهدد حياة المرضى ويجعل تقديم الخدمات الطبية أصعب من أي وقت مضى.
ويضيف: إن ذلك كله يضيف للإنسان إرهاقاً نفسياً بسبب تفكيره الدائم في ظل هذه الظروف الصعبة، فأبسط تفاصيل الحياة في هذه الحالات باتت تحتاج تخطيطاً وجهداً مضاعفاً، وتتحول الحياة إلى معركة يومية من أجل البقاء.. كيف توفر الماء؟ متى ستأتي الكهرباء؟.
صيف قد لا يُنسى بسهولة نظراً لما عاناه معظم الناس من فاقة وحاجة لمقومات الحياة الأساسية، وقد يتكرر في السنوات المقبلة في ضوء التغيرات المناخية المتسارعة التي تعصف بالعالم ككل.
ولكن هل ستختفي هذه المعاناة اليومية للمواطن في المستقبل القريب عبر اعتماد سياسات واستراتيجيات- حسب الوعود المعلنة من قبل الجهات المعنية، تضمن وصول الخدمات الأساسية بسلاسة لتخفف من معاناته؟.