الثورة – سمير المصري:
أزمة مياه شديدة تسود معظم مدن ومناطق وبلدات محافظة درعا، والسبب شحّ الأمطار خلال فصل الشتاء الماضي، والحفر الجائر للآبار خلال السنوات الماضية في مختلف أنحاء المحافظة، والتي وصل عددها إلى الآلاف، وهشاشة البنية التحتية لشبكات المياه وعدم إجراء أعمال الصيانة الدورية لها والاكتفاء بالصيانة الجزئية، بالإضافة إلى ازدياد التعديات على خطوط الدفع الرئيسة من الينابيع والآبار التي تغذي الخزانات ليتم ضخها للمواطنين، كذلك التعدي على الشبكات من قبل المواطنين وعدم الاكتفاء باشتراك واحد، وهذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تفاقم الأزمة بشكل يومي.
تعديات
تتكرر الشكاوى، ومن مختلف مناطق المحافظة، حول التعديات المتكررة على خطوط المياه الرئيسية، مثل خط الأشعري، الذي يغذي العديد من مدن وبلدات المحافظة، مثل مدن درعا وطفس وداعل وبلدة اليادودة، وخط الثورة الذي يغذي مدينة جاسم، وكذلك الخط الواصل من بلدة القنية إلى مدينة الصنمين، وخط عين ذكر لحوض اليرموك وغيرها من الخطوط الأخرى.
وحسب ما ذكر المواطنون في شكواهم، إن هذه التعديات على خطوط الدفع تتم لسقاية المشاريع الزراعية أو لتزويد منازل مواطنين غير مشتركين ويستجرون المياه من الخطوط الرئيسة بشكل غير مشروع، ما يحرم الكثير من الأهالي من حصتهم من المياه.
والأمثلة على هذه التعديات كثيرة، فمثلاً في مدينة جاسم شكوى على أشخاص يسحبون المياه من الخط الرئيسي لري أراضيهم ومشاريعهم الزراعية، وكذلك في طفس وداعل، وغيرها الكثير في معظم مناطق المحافظة.
آبار عشوائية
أما في بلدات وقرى حوض اليرموك بالريف الغربي من محافظة درعا، والتي تعتبر من أغنى مناطق المحافظة بالمياه، وكانت تغذي محافظتي درعا والسويداء بالمياه، فأصبحت اليوم تئن وتشتكي تحت وطأة العطش، إذ تدهور وضعها بسبب الحفر الجائر للآبار غير المرخصة بالقرب من الينابيع، وهذا يؤثر على مجرى المياه فيها، وبالتالي انخفاض منسوبها نتيجة الحفر العشوائي، إضافة إلى أن شبكات المياه في هذه البلدات أصبحت متهالكة وقديمة وتعرضت للكسور والتعديات في ظل ضعف أعمال الصيانة والرقابة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى وجود أكثر من 20 ألف بئر مخالفة في المحافظة، حفرت خلال السنوات الماضية في ظل غياب الرقابة، وهذا ساهم في استنزاف واسع للمياه الجوفية، وكذلك جفاف الينابيع في زيزون والعجمي والفوار وبحيرة المزيريب، وما ينطبق على الريف الغربي ينطبق على جميع مناطق المحافظة من جهة الحفر العشوائي والجائر للآبار المخالفة والتي أدت إلى انخفاض في مناسيب ومستويات المياه الجوفية.
مبادرات ومحاولات للإنقاذ
في ظل هذه الأزمة، برزت مبادرات محلية للتخفيف من حدة الأزمة في مناطق عدة، ففي مدينة درعا مثلاً تم تنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتجهيز بئر الخشابي، بتمويل شخصي من أحد المتبرعين بهدف تحسين واقع مياه الشرب وزيادة كمية الضخ للأحياء السكنية، وكذلك في بلدة خربة غزالة قامت لجنة شعبية من البلدة بحملة لجمع التبرعات المادية لحفر أربعة آبار جديدة بعد جفاف الآبار القديمة، وتصل تكلفة حفر هذه الآبار لنحو مليار ونصف مليار ليرة، وكذلك مبادرة مشابهة لحفر بئرين في بلدة تسيل، وهذه المبادرات تقريباً أصبحت ظاهرة في مختلف أنحاء المحافظة للتقليل قدر الإمكان من أزمة المياه بالمحافظة.
استغلال الأزمة
هذه الأزمة شكلت فاتورة أعباء إضافية على المواطنين، إذ أرغمتهم الظروف على شراء المياه عن طريق الصهاريج الخاصة، ولاسيما خلال موجة الحر الشديدة مؤخراً، الأمر الذي استغله أصحاب الصهاريج ليتقاضوا أسعاراً مرتفعة، يصعب على الكثير من المواطنين دفعها، إذ وصل سعر متر المياه إلى خمسة براميل لنحو 75 ألفاً، وسعر صهريج الماء سعة خمسة أمتار إلى أكثر من 300 ألف ليرة في مدينة درعا، و40 ألف ليرة للمتر في مدينة نوى، وتتفاوت الأسعار حسب المنطقة وقربها من مكان الآبار، وتحتاج الأسرة لنحو صهريج أسبوعياً، وهذا زاد من الأعباء المالية على المواطنين.
استخدام غير مشروع
مدير مؤسسة المياه بدرعا، المهندس رياض المسالمة، أشار إلى الظروف الصعبة التي تمر بها محافظة درعا في تأمين مياه الشرب، ولاسيما مع تراجع غزارة مشروع مياه الأشعري والذي يعد المصدر الرئيسي لتزويد تجمعات سكانية كبيرة بالمحافظة منها مدن درعا وطفس وداعل وبلدات أخرى مجاورة، وكذلك الحفر العشوائي لآلاف الآبار المخالفة بالقرب من المصادر الرئيسية بالمنطقة الغربية من المحافظة، مبيّناً أن مشروع الأشعري يضخ حالياً نحو 1200 متر مكعب يومياً، وهذه الكمية في حال وصولها بالشكل الصحيح تكفي حاجة المناطق التي تتغذى من هذا المشروع، ولكن المشكلة في نسبة الضياع المائي من كمية الضخ والتي تتراوح ما بين 500 -600 متر مكعب، معظمها نتيجة الاستخدام غير المشروع لري المشاريع والمزروعات القريبة من خط الدفع، وهذا يؤدي إلى تقليل الكمية المتاحة للشرب إلى نحو 650-700 متر مكعب، وتغذي هذه الكمية مدن درعا وطفس وداعل وبلدة اليادودة، وهذا سبب رئيسي في الأزمة الحالية في هذه المدن، وتتم عملية الضخ لمدة زمنية لا تتجاوز 7 ساعات يومياً قبل أن يتوقف بسبب انخفاض المنسوب الوارد إلى الخزانات.
وأضاف المسالمة: إن الورشات والفرق الفنية بالمؤسسة تتابع الواقع المائي في المحافظة بشكل يومي، وتسعى لتحسين الإمدادات قدر الإمكان بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع المياه في المحافظة، مشيراً إلى تنفيذ العديد من الحملات وإزالة عشرات التعديات في مختلف أنحاء المحافظة في أحياء مدينة درعا واليادودة وخربة غزالة وغيرها من المناطق والبلدات، وقطع المياه عن المخالفين وتحويلهم للقضاء، إضافة إلى إجراءات أخرى لترشيد الاستهلاك المائي.
تحذير جفاف قادم
فيما حذر مختصون في هذا المجال من أن محافظة درعا، بدأت تقترب من حافة الجفاف شبه الكامل في ظل التراجع غير المسبوق في معدلات الأمطار وجفاف الكثير من الينابيع والسدود والحفر الجائر للآبار المخالفة، والتي وصل عددها لآلاف الآبار، وبالتالي انخفاض كبير في مستوى المياه وخروج مساحات واسعة للأراضي الزراعية، وخاصة لمحصول القمح وأشجار الزيتون وغيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى.
أمام تصاعد الشكاوى على التعديات على خطوط المياه الرئيسية والشبكات الفرعية والحفر الجائر للآبار، وجهت الجهات المعنية بالمحافظة وحذرت ببلاغات عدة شديدة من التعدي على خطوط وشبكات المياه، ولاسيما التعديات على خطوط الدفع الأشعري والثورة، وأعطت أصحاب التعديات مهلة حتى منتصف الشهر الحالي لإزالتها، مع التأكيد بأن من لا يلتزم بعد انتهاء المهلة، سيتعرض للعقوبة المشددة والمساءلة القانونية.. وطالبت المواطنين بالإبلاغ عن أي تعديات، إضافة إلى حجز الحفارات التي تقوم بعمليات الحفر الجائر للآبار ومعاقبة أصحابها.