الثورة:
طرح الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني، رؤية شخصية حول مستقبل سوريا، بدت بمنزلة رسالة سياسية موجهة إلى السوريين بمختلف مكوناتهم، في لحظة حساسة تتسم بتصاعد التوترات وتفاقم الانقسامات.
ما يميز هذا الطرح أنه يجمع بين استحضار البعد التاريخي، وتشخيص الأخطاء الراهنة، ووضع مداخل للحل عبر الحوار الوطني واللامركزية الإدارية، بعيداً عن الانزلاق نحو الفوضى أو مشاريع التقسيم.
وقد أوضح الخطيب في منشور على منصة “إكس”، أن أبناء الطائفة الدرزية (بني معروف) عرب أصيلون كان لهم دور أساسي في الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، حيث وفروا الحماية للثوار وقدموا تضحيات كبيرة، مؤكداً أن نظام الأسد البائد استباح جميع المناطق السورية باستثناء جبل العرب، إدراكاً منه لحساسية وضعه.
وأشار إلى أن آلاف الشباب الدروز رفضوا المشاركة في عمليات قتل السوريين وفرّوا من الخدمة العسكرية، فيما يواصل أبناء الجولان المحتل رفضهم لحمل الجنسية الإسرائيلية منذ أكثر من نصف قرن.
وأكد الخطيب أن التيار الأكبر في بني معروف يتمسك بالوطنية ويرفض التدخل الخارجي، مشهوداً لرجاله بالعمل على إسقاط النظام البائد، في حين يسعى تيار آخر على صلة بجهات خارجية إلى جرّ أبناء الطائفة لمسارات لا تمثلهم.
تطرق الخطيب إلى أخطاء سياسية وقعت خلال المرحلة الانتقالية، من أبرزها التعجل في إطلاق الحوار الوطني وصياغة إعلان دستوري غير مدروس، وهو ما أسهم في خلق نفور وفجوة بين المكونات السورية، مشيراً إلى أن الظروف القاسية التي مر بها السوريون دفعت إلى تصاعد الهويات الطائفية وتعمّق القطيعة المجتمعية.
وأوضح أن غياب الحلول الفعالة أدى إلى سقوط مئات الضحايا من أبناء جبل العرب وحوران والعشائر، إضافة إلى رجال الأمن العام، مؤكداً أن التحقيقات القانونية المتخصصة وحدها قادرة على كشف الحقائق ومحاسبة المجرمين.. كما شدد الخطيب على رفض أي غطاء ديني للصراع، مندداً بالتحريض الطائفي واستدعاء الفتاوى التاريخية لتأجيج النفوس، مبيناً أن أصل الأزمة سياسي تديره قوى إقليمية ودولية بهدف تمزيق سوريا.
وحذر الخطيب من أن أي تقسيم سيؤدي إلى ولادة دويلات ضعيفة وهشة، مؤكداً أن الحل يكمن في اعتماد اللامركزية الإدارية على مستوى جميع المحافظات، وإجراء انتخابات حرة تكرس وحدة البلاد، مع التشديد على رفض رفع أي علم غير العلم السوري.
ودعا الخطيب السوريين إلى رفض التدخلات الخارجية ومقاطعة الجهات التي تبث الفتنة، معتبراً أن ما يجري يهدف إلى إشاعة الفوضى.. كما طالب مجلس الإفتاء السوري، برئاسة المفتي العام، بالقيام بدور الوسيط الوطني لترميم الانقسامات وفتح الطريق أمام حل شامل.
أنهى الخطيب طرحه برسالة تحذيرية مفادها أن سوريا أمام خطر وجودي، وأن إنقاذها يتطلب تضافر الجهود وتوحيد الصفوف مع القوى المخلصة، هذا النداء يختصر جوهر رؤيته: المصالحة والتوحد هما الطريق الوحيد لوقف الانهيار، بينما الاستقطاب والتدخلات الخارجية يفتحان الباب لمزيد من التشرذم. إن تحليل خطاب الخطيب يكشف أنه لم يكتف بتشخيص أزمة السويداء أو الانقسامات الطائفية، بل قدم مقاربة شاملة للمشهد السوري تقوم على ثلاثة أعمدة: الاعتراف بالأخطاء، رفض مشاريع التقسيم، والتمسك بخيار الحوار الوطني الشامل، وهي رؤية قد تشكل أساساً لنقاش سياسي أوسع إذا ما قوبلت بإرادة سياسية حقيقية واستعداد للتنازلات المتبادلة.