هوس المراهقين بالمشاهير.. بين الحلم والهاوية

الثورة – سمر حمامة:

في عالم متخم بالصورة والصوت، لم يعد من الصعب على نجمٍ أن يقتحم غرف المراهقين، يشاركهم أحاديثهم وهمساتهم وأحلامهم الصغيرة، ويصبح، من دون إذن أو موعد، جزءاً من تفاصيل حياتهم اليومية، فاليوم نعيش ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلاً، بل التأمل العميق في أبعادها، إنها ظاهرة الهوس بالمشاهير التي تتفشى بصمت بين أبنائنا، تسلبهم جزءاً من وعيهم، وربما من مستقبلهم.

لم يعد الإعجاب كما كان قديماً، مجرّد اهتمام بصوت جميل أو أداء تمثيلي مُتقن، بل تحوّل إلى تعلق مرضي، وانغماس وجدانيّ يتجاوز المنطق، والأخطر من ذلك، أنّ بعضهم يبكي، يصرخ، يغار، ويحزن لأنه ليس قريباً من هذا النجم، ولا يملك حق الوصول إليه، باتت مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الرئيسية التي عمّقت هذا الارتباط بين المراهقين والمشاهير، إذ أصبحت حياة الفنانين، من أعضاء فرق الـ kpop مثل BTS وBLACKPINK ومغنين مثل: الشامي والسيلاوي وغيرهم، متاحة على مدار الساعة من خلال الصور، الفيديوهات، المقابلات، والبث المباشر والمتواصل.

هذا الانفتاح ألغى المسافة الفاصلة بين المتابع والنجم، ما جعل بعض المراهقين يظنون أن هذه العلاقة حقيقية ومتبادلة، فيندفعون إلى تقليد كل ما يرونه، والتفاعل العاطفي المفرط مع كل تفصيل من تفاصيل حياة المشاهير.

تقول أم رزان، والدة فتاة في الثالثة عشرة من عمرها: “ابنتي تغيّرت كثيراً منذ بدأت تتابع إحدى الفرق الكورية، كانت طفلة مرحة تهوى الرسم والقصص، واليوم باتت لا تهتم إلا بما ترتديه فرقتها المفضلة، تطالبني بشراء تيشيرتات مطبوعة، وصور ضخمة لغرفتها، وتبكي حين تفوّت بثاً مباشراً لهم، تشعر كما لو أن هذا العالم هو عالمها الحقيقي، وأننا نحن الغريبون عنها”.

أما أبو كريم، والد فتى في الخامسة عشرة، فيروي بقلق: “ابني كان متفوّقاً في دراسته، واليوم تراجعت علاماته بشكل ملحوظ، يقضي ساعات على هاتفه، يتحدث بلهجة غير مألوفة، ويقلد حركات بعض المغنين، حاولت أن أناقشه، فغضب مني واتهمني بأنني لا أفهم الجيل الجديد، لكن ما يؤلمني حقاً هو أنه لم يعد يرى ذاته إلا في صورة فنان لا يعرفه، ولا يشبه بيئته ولا قيمنا”.

وتحدثنا أم لمى، وهي أم لطفلة لم تتجاوز الثانية عشرة بقولها، “فوجئت بطلبها حضور حفل موسيقي لمغنٍ عربي شاب، وحين رفضت، دخلت في نوبة بكاء هستيرية، ووصفتني بالظالمة، لم أكن أتخيل أن مشاعر طفولية بريئة قد تتحول إلى هذا العمق العاطفي تجاه شخص لم تلتقِ به قط”.

انعكاس لحاجة داخلية

أمام هذا المشهد المتكرر في بيوت كثيرة، تعلق المرشدة النفسية دارين السليمان: “الارتباط بالمشاهير في مرحلة المراهقة ليس أمراً جديداً، بل هو انعكاس لحاجة داخلية لدى الشاب أو الفتاة في البحث عن نموذج يُحتذى، المشكلة تبدأ حين يتجاوز الإعجاب الطبيعي حدوده، ويصبح بديلاً عن الهوية الحقيقية، نلاحظ اليوم أن كثيراً من المراهقين ينزلقون إلى حالة من الذوبان في شخصية الفنان، فينسون من هم، ويعيشون عبره”.

وتضيف: “للأسف، تغذي وسائل التواصل هذا الارتباط الوهمي، وتعرض حياة الفنانين بصورتها الأكثر جمالاً وإثارة، ما يجعل المراهق يشعر بالنقص، ويعيش مقارنة دائمة بين واقعه المتواضع وبين تلك الصورة اللامعة، هذا ما يولّد القلق، الانطواء، أو حتى الاكتئاب.والحل برأيها لا يكون بالمنع، بل بالحوار، بالاحتواء، وبخلق بيئة غنية بالحب والنشاطات التي تُعيد للمراهق علاقته بنفسه، لا بظلّ غيره”.

في ظل هذه الصورة، يبرز سؤال لا بد من طرحه: كيف يمكن لنا كأهل ومربين أن نعيد التوازن لهذا الجيل الغارق في الشاشة؟ لعلّ البداية تكون في أن نصغي لهم لا أن نهاجمهم، أن نفتح لهم نوافذ على عالم الواقع، لا أن نُغلق الأبواب ونتركهم لبحر الوهم، نحن لا نمنع الحلم، لكننا نعلّم أن الحلم لا يكون بتقليد آخر، بل بأن تصنع ذاتك، وتكون النجم في عالمك الخاص.

ختاماً.. يبقى الإعجاب بالمشاهير أمراً طبيعياً ضمن حدود معينة، لكن حين يتحول إلى هوس يسيطر على التفكير والمشاعر والسلوك، فإنه يشكل خطراً على نمو المراهق النفسي والاجتماعي، إذ تقع مسؤولية التوازن هنا على الأهل أولاً، من خلال الحوار الواعي والمراقبة غير القمعية، وعلى المدارس والمجتمع في تقديم محتوى بديل محفّز، يوجّه الطاقات نحو أهداف بنّاءة، إن بناء شخصية قوية متوازنة، قادرة على التمييز بين الواقع والخيال، هو التحدي الأكبر في عصر يخلط فيه الإعلام بين الحقيقة والصورة المصنوعة.

آخر الأخبار
ترامب يتحدث عن تقدم ملموس في العلاقات مع روسيا صيغة سوريا الموحدة تلقى إجماعاً دولياً.. والتقسيم فكرة خطيرة على المستوى العالمي الرئيس اللبناني: نسعى لتحسين العلاقات مع سوريا والارتقاء بها طارق الخضر: نطالب بتمديد ساعات استقبال الفواكه والخضار لتصديرها عبر المطار الروائي ثائر الزعزوع لـ "الثورة": الكتابة ورطة.. لا جائزة تقدم على طبق من ذهب نحو تعليم عصري ومستدام.. مراجعة التشريعات ورسم خارطة استثمارية لإعمار المدارس هوس المراهقين بالمشاهير.. بين الحلم والهاوية قطاع الجلديات على مفترق.. بين راحة المنتج وتعب المستهلك صراع الأجيال.. بين الماضي والحاضر انطلاق حملة لإصلاح شبكة الصرف الصحي في كفرسجنة لتعزيز البنية التحتية معاذ الخطيب يطرح رؤية شخصية لحماية وحدة سوريا ورفض الانقسام والتدخلات الخارجية رغم محاصرة النيران.. السبعينية زيزوف علي متمسكة ببيتها وأرضها بوابة لإحياء الاقتصاد وبناء المستقبل.. تحديد موعد المؤتمر الاستثماري الأول بحلب شعار "حق تقرير المصير" .. محللون: انفصال السويداء غير واقعي ولايستند إلى مقومات فعلية مجلة أميركية: عودة اللاجئين السوريين مرهونة بالأمن وإعادة الإعمار وضمان الحقوق عون يؤكد حرص لبنان على تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع سوريا تطبيقات عملية حول الرعاية والاهتمام بكبار السن .. فريق للرعاية الصحية لنوب السقوط عند المسنين إنتاجية الهكتار تصل إلى 10 أطنان.. عودة مبشرة لزراعة الذرة الصفراء في حلب تسوّل الأطفال.. الأسباب والحلول.. مافيات أَمِنت العقوبةَ فأساءت الأدبَ بين البلعوس و الهجري: اختبار جديد لوحدة السويداء ومستقبلها السياسي