لاشك بأن الحرب الضروس الظالمة والوحشية التي تُشَنُّ على بلادنا لعبت دوراً تخريبياً فظيعاً في مجالات مختلفة، بعد أن صبّت عشرات الدول الغربية – والعربية الشقيقة – جهوداً مُذهلة كي تجعل من سورية دولة فاشلة، ولكن صمود شعبها وجيشها الذي استبسل في القتال دفاعاً عن الأرض والكرامة، وبَذَلَ الدماء والأرواح في ملاحم أسطورية جعل السحر ينقلب على الساحر، فأفشل خططهم، وبقيت البلاد شامخة بوجودها وسياساتها واستقلال قرارها، ولم تتوقف مؤسساتها عن العمل يوماً واحداً، رغم المحاولات اليائسة لتجميدها وشلّها، ورغم حملات التضليل والتشويش التي لاتزال بالأصل مستعرة على مذهب ( اكذب .. اكذب .. ثم اكذب حتى يصدقك الناس ) بل ازدادوا انحطاطاً أكثر من هذا بكثير، ولو قُدّر لهتلر أن يعيش إلى هذه الأيام لندب حظه من ضعف أداء كُذّابه..
ولكن مع ذلك بقيت هيئات الدولة السورية مستمرة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبمؤسساتها المختلفة الجامعية والمدرسية والإعلامية والاقتصادية والخدمية.
الذي لا شك فيه أن البلاد تعرّضت في بعض الجوانب الاقتصادية والخدمية للكثير من تخريبهم ودمارهم، وأصاب العديد من الجهات أضراراً بليغة، ولكنهم كانوا أعجز من أن يحطموا الدولة التي صمدت في وجوههم بجيشها وقائدها ومعونة أصدقائها المخلصين، لتبقى مخرزاً في عيونهم.
اليوم هدأت نيران الحرب المستعرة واستقرت ولو مؤقتاً على صفيحٍ من جمارها، واستعاد الجيش مساحات واسعة من الأراضي التي راحت تدبّ فيها الحياة شيئاً فشيئاً وتستعيد عافيتها وبهاءها عليها، ولكن كان من المفترض أن نكون أكثر سرعة لملاقاة هذه الاستعادة، والسرعة ممكنة من خلال الأصدقاء من جهة ومن خلال أنفسنا من جهة أخرى، والمشكلة أننا نفكر بذلك ونعقد العزم ونبحث للوصول إلى نتائج .. ونكاد نصل إلى البدء بالتنفيذ ثم لا ندري ماذا يحصل ..؟! إذ نتراجع وننسى .. وكأنّ شيئاً ما ( يُكربج ) عجلة السير ويضع العصي بها، ولولا ذلك لكنّا – على الأرجح – في حالة أقل بكثير مما نحن عليه من أزمات سواء على صعيد الكهرباء أو النقل أو خدمة الصرافات .. وما إلى ذلك، فمثل هذه القضايا كان يمكن أن نخفف من وطأتها كثيراً بالتعاون مع أصدقاء بارعين بحل مشاكلها.
وهناك قضايا أخرى تكون حلولها بين أيدينا وحدنا، ولكننا لانزال نتعثّر بها ونتردّد ونُقدّم ونؤخّر، والزمن يمر مُسجّلاً فوات الكثير من الفرص الممكنة، كحالتنا مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، رغم قناعة الجميع بأنها تُشكل حلاً مثالياً لوضعنا الاقتصادي والاجتماعي نظراً لما تنضوي عليه من زيادة إنتاج وخلقٍ لفرص العمل وبالتالي تحسناً طبيعياً لمستوى المعيشة.
الإحصاء أيضاً، فحالتنا مع الإحصاء وجموده باتت حالة مزمنة، وكأن المكتب المركزي للإحصاء قد مُنِحَ نقاهة طويلة الأمد، وكنّا منذ أربع سنوات ننتظر دعمه بالكوادر والوسائل والإمكانات عبر انبثاق ( الجهاز الوطني للإحصاء ) حسب وعودٍ ومناقشات حكومية، وإذ بهذا الجهاز يغطّ مع المكتب في نومٍ عميق، فتكاثرت من حولنا الإحصاءات التقديرية من الداخل والخارج، أمام غياب الرسمية منها، ما يزيدنا تيهاً، ويغلق أمامنا النظر بوضوح إلى أهدافنا، فنرى ما نراه من قرارات عشوائية نتخبط بها يميناً وشمالاً.
بين يدينا العديد من القضايا التي يمكن أن توصلنا إلى انفراجات أكثر .. ولا تحتاج سوى إلى ملاحقة ومتابعات جدّية تمشي بها إلى نهاية المطاف .. ولكن .. يبقى السؤال عريضاً : من يتابع ..؟!
على الملأ- علي محمود جديد