الثورة – علا محمد:
ما بين ذاكرة الحرب وتطلعات الغد، تأتي انتخابات مجلس الشعب كنافذة يطل منها السوريون على مستقبل يريدونه أكثر استقراراً، حين يصبح الاقتراع وسيلةً للقول: نحن هنا.. لنعلن وجودنا.
بداية شرعية
في أولى ملاحظاته حول الانتخابات، أكد الخبير الدولي في مجال القانون والدستور الدكتور محمد شيخ إبراهيم لـ”الثورة”، أن هذا الاستحقاق يشكل أول امتحان فعلي للإرادة الشعبية بعد التحرير، واعتبرها أكثر من مجرد إجراء سياسي تقني، لتكون خطوة رمزية وترجمة عملية للانتقال من مرحلة فقدان الثقة إلى إعادة تأسيس مؤسسات الدولة على قاعدة شعبية حقيقية.
ويضيف: إن هذه الخطوة جاءت متسقة مع سلسلة من المبادرات، بدءاً من مؤتمر الحوار الوطني، مروراً بالإعلان الدستوري وصولاً إلى القانون الانتخابي المؤقت، الذي أتاح تنظيم انتخابات مجلس الشعب، مع مراعاة خصوصية المرحلة الانتقالية.
وعند الحديث عن نزاهة العملية، شدد على أن ذلك ينبع من منظومة متكاملة من الضمانات الدستورية والقانونية، فالإعلان الدستوري يشكل الركيزة الأساسية التي أرست المبادئ العامة، متكاملاً مع القانون الانتخابي المؤقت واللوائح التنفيذية الدقيقة، بما يضع العملية في مسار شفاف وفعال، معتبراً أن هذه الضمانات ليست نصوصاً مكتوبة فقط، بل أدوات فعلية تضمن أن تعكس الانتخابات إرادة الشعب على أرض الواقع، لتتحول من مجرد آليات شكلية إلى ممارسة حقيقية للشرعية الشعبية.
وأكد الدكتور إبراهيم وجود الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات المؤقت مدعومين باللوائح التنفيذية، للنظر في أي اعتراضات أو طعون انتخابية، إذ نصّت على آليات واضحة لضمان سرعة البت وعدالته، وقد خُصصت لجان قضائية مستقلة للنظر في الطعون، مع تحديد آجال زمنية قصيرة للمعالجة منعاً لأي تعطيل للمسار الانتخابي، ضماناً للتعامل مع أي مخالفة أو إشكال وفق إطار قانوني متوازن بين سرعة الحسم وضمان العدالة.
الثقة تعود
وبحسب رؤية الخبير، فإن التصويت في المناطق المحررة سابقاً، مؤشرٌ قوي على عودة الثقة بالدولة بعد سنوات من الانقطاع، وأن هذه المشاركة تمثل وسيلة لإعادة تأسيس مؤسسات وطنية تستجيب لتحديات المرحلة، ويبرز التدفق التدريجي لرغبة المواطنين في الانخراط بالحياة السياسية، ما يعكس حرصهم على إعادة بناء مؤسسات وطنية فعالة واستعادة دور الشعب الطبيعي في الحياة العامة، رغم أن النظام الانتخابي مؤقت وغير مباشر بما يتلاءم مع المرحلة الانتقالية.
ويشير إلى أن القانون الانتخابي الحالي، رغم التحديات في بعض المحافظات، سعى لضمان تمثيل متوازن للمكونات الجغرافية والاجتماعية في مجلس الشعب، فقد فتح المجال بشكل شفاف أمام مشاركة طيف واسع من الفئات، بما في ذلك الأكاديميون والنقابيون والفعاليات المحلية، في خطوة واضحة نحو إشراك الكفاءات والفاعلين المجتمعيين في صياغة العملية التشريعية.
أما على صعيد التركيبة، فيوضح شيخ إبراهيم أن المجلس القادم سيترك أثراً مزدوجاً داخلياً وخارجياً، فوجود 70 بالمئة من التكنوقراط والأكاديميين يعزز الكفاءة في مجالات الاقتصاد والتعليم والقضاء، فيما يعكس على الصعيد الخارجي قدرة سوريا على بناء مؤسسات شرعية تدريجياً يمكن توظيفها في مفاوضاتها الدولية، ويؤكد أن المجلس يمتلك أدوات رقابية مهمة على أداء الحكومة، بما فيها تعديل القوانين، إقرار الموازنة، المصادقة على المعاهدات، ومتابعة الأداء التنفيذي عبر لجانه المتخصصة، ما يجعل المجلس منصة لتعزيز الشفافية والمساءلة.
مسار الإصلاح
ويستكمل، أنه رغم التقدم، إلا أن القانون الانتخابي الحالي يحتاج مستقبلاً لتعديلات لضمان مشاركة أوسع، خصوصاً عبر التحول نحو انتخابات مباشرة لتعزيز الشرعية، كما يشير إلى أن الأولويات التشريعية تشمل قوانين العدالة الانتقالية، إصلاح الأجهزة القضائية والإدارية، تشجيع الاستثمار، إعادة توزيع الموارد للإعمار، ووضع دستور دائم للبلاد، وعليه، فإن هذه الأولويات تتطلب ثقافة انتخابية جديدة تعتمد على المواطنة والمحاسبة، بعيداً عن الولاءات الطائفية أو الحزبية، وبناء جسور ثقة متينة بين المجلس والمواطنين لضمان مشاركة فعّالة ومسؤولة.
ويؤكد الخبير الدولي أن الثقافة الانتخابية لأي شعب هي منظومة قيم وسلوكيات يومية تُبنى عبر التعليم والإعلام والمجتمع المدني، ويجسدها مجلس الشعب الذي يعبر فعلاً عن إرادة الناس، ولتعزيزها مستقبلاً، لا بد من حملات توعية ومناهج تعليمية تزرع الوعي بدور المجلس، إضافة إلى بناء جسور ثقة بينه وبين المجتمع عبر جلسات استماع وتقارير دورية ومساءلة علنية، بما يضمن انتقال المواطنين من ثقافة الولاء الطائفي أو الحزبي إلى ثقافة المواطنة والمحاسبة.
ختاماً.. مع مجلس الشعب الجديد، يأمل السوريون أن يكون صوتهم الفعلي، وأن يعكس آمالهم في حياة أكثر استقراراً ويستجيب لمشكلاتهم اليومية بشكل ملموس.