الملحق الثقافي:علم عبد اللطيف:
من المهم والجميل أن يخصص للغة العربية يوم، يوم اللغة العربية.. يحيلنا هذا دون أن نقصد إلى يوم الأب، أو حتى الأم.. أو عيد الشجرة.. أو…هذا ليس تندراً أو للتقليل من المسألة، بل هي موازنة ومقايسة أولاً، وبحث في عمق الظاهرة لجهة الأهمية والجدوى.. اللغة العربية يجب أن تكون كل الأيام لها، فهي فكرنا، حياتنا، بها نعيش فاعلين ومنتجين، حين قيل.. أنا أفكر إذن أنا موجود، لم يكن القصد أنا أفكر لوحدي في داخلي، فالفكر إن لم يتصل بالخارج ويصل خطاباً مكتملاً بين مرسل ومتلق، فهو غير موجود.. اللغة تجاوزت في فهمها وتعريفها أنها وعاء للفكر، أو هي لوح الزجاج الشفاف الذي نرى من خلاله العالم، الألسنيون طوروا مفهوم اللغة، وقالوا إن الفهم المتداول للغة لم يكن يرقى إلى حقيقتها، فهي ليست خارج العقل وغير منفصلة عنه، وإذن هي بعض العقل إن لم تكن كله، وإذا كان ذلك كذلك فإن اللغة هي الحياة، باعتبار ان من لا عقل له هو بحكم الميت، لا حياة له، تعريف العقل هنا لا ينفي الوجود المختلف له بمستويات أخرى، فعقل المخلوقات الدنيا، وإن كان لها نظامها الحياتي الخاص، والدقيق، إلا أنه عقل محكوم بالفطرة لا يتصل بالثقافة إلا عبر الجينات الوراثية.. اللغة كانت حاجة الإنسان في تطوره العقلي، فأوجد رموزها، وارتقى بها إلى التفكير عبرها، وكانت حياته بالفعل حين وضع أولى رقيماته وأناشيده وأساطيره، وحملت فيما بعد حضارته وفلسفته، ودوماً كانت صورة حياته الفاعلة والمنتجة أو الخامدة المستكينة.. اللغة العربية شهدت أوج تطورها في مرحلة ازدهار الدولة العربية، فكانت الترجمات والتآليف والأشعار والمساجلات، وكانت أيضاً لغة التجارة والتواصل الاجتماعي في أرجاء الإمبراطورية العربية، فكتب بها غير العرب، وبرعوا في استخدامها حتى غدوا بها عرباً حقيقيين،
إذا سلمنا أن الثقافة، وإنتاجها، وبنيتها الداخلية، هي التي تحدد الهوية.. حين صدّرت اللغة العربية حرفها وتقنياتها وقواعدها، إلى الشعوب الأخرى، كانت تقوم بدورها حقيقة، من حيث الحاجات الحياتية للشعوب، وإذا كان قد تراجع دورها الآن، فهو المعادل الموضوعي لتراجع حياة العرب، عدم حاجة العالم للغة ليست لغة العلوم ولا التكنولوجيا تحديداً، ومن هنا نفهم الإقبال على إتقان الإنجليزية، وبعض اللغات الأخرى في العالم، فهي لغة الإنتاج العالمي، وتحمل خصوصياته وأخلاقه.. نشهد جهوداً حثيثة عنوانها تمتين اللغة العربية، وهي جهود نبيلة ومشكورة حقيقة، إلا أن المسألة يجب النظر إليها من ناحية الجدوى، يقولون ان تراجع اللغة العربية، بياناً وقواعد، لدى مستخدمي اللغة العربية، خصوصاً خريجي الأكاديميات، سببه تراجع التعليم عامة، وهو رأي متسرع إذا عرفنا أن المتميزين من الأكاديميين العرب، يحققون نجاحاً كبيراً في بقية العلوم، الطب والتكنولوجيا والبرمجيات والرياضيات، إذن المسالة لا تتعلق بمستويات التعليم فقط، وإن كانت هذه بالقطع لها دورها في القضية.. أمر آخر، إن استخدام اللغة بطريقة أوجدتها مسائل التحديث عموماً، يبين لنا أن الاعتماد على اللغة بالطريقة التي كنا نعرفها سابقاً، لم يعد كما كان قبل ظواهر التحديث الفني والشعري، فقصيدة الومضة، والقصة القصيرة جداً مثلاً، لا تحتاج لغة بالمعنى التقليدي، فهي تقوم على الاقتصاد باللغة إلى مستويات الاختزال الشديد، وتغدو اللغة بها ليست حاجة كتابة بقدر ما هي أداة ثانوية ربما في التوصيل. اللغة قوتها في حاجة متكلميها إليها، وفي قوة مستخدميها وفاعليتهم، تقوى بهم وتجد متانتها بطريقتها، مع جزيل الامتنان للمهتمين باللغة من باب الحرص عليها وصيانتها.
التاريخ: الثلاثاء21-12-2021
رقم العدد :1077