الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:
تشكلُ اللغة العربية الوعاء الأساس والحاضن الحقيقيّ للثقافة والمعرفة ،كونها أحد أهم مقومات الأمة التي ننتمي إليها، والعامل الرئيس لوجودها وديمومتها واستمرارية حضارتها الموغلة في القدم ،وبالرغم من كلّ ما تعرّضت له اللغة العربية من أخطار وحملات تشويه ممنهجة ،ومحاولة إذابتها في لغات الغير عبر قرون عديدة ، إلا إنها بقيت محافظة على كيانها وشخصيتها وجذورها وحيويتها ،ليس لأنها لغة القرآن فحسب ،إنما لأنها لغة تمتلك من الأصالة والحيوية والتجديد الكثير ،مما جعلها تستوعب وتحتوي كلّ المُدخلات الغريبة من ألفاظٍ ومصطلحات وتعابير، لتغدو أكثر قدرة على تثبيت جذورها ، وإعادة إنتاج المعرفة برؤية جديدة ومتجددة ..
وتاتي أهمية اللغة كونها تشكّل رمزاً للهوية الفردية والثقافية والاجتماعية والتوجيهية ،وتعتبر مدوّنة لحفظ وحماية التراث الحضاري والمعرفي للأمة ،كما تحافظ اللغة على الهوية القومية بما تقدّمه من فكر ومعارف تشكّل نسيجاً متجانساً يمكن البناء عليه وصولاً إلى التحصين الثقافي والفكري .
ونظراً للأخطار التي تتهدد لغتنا العربية وتراجع الاهتمام بها وتخلّي الكثير من أبنائها عن مواكبة تطور اللغة والتوجه لاستخدام اللهجات العامية سواء في التعليم أو الإعلام او الثقافة أو ….فإن ثمة قرارات ومراسيم صدرت خلال العقود الاخيرة للحفاظ على اللغة العربية وزيادة الاهتمام بها في المدارس والجامعات، وتحويلها من لغة للتعلّم إلى لغة للحياة والعمل على تمكين استخدامها بيسر وسهولة وتشجيع وتحفيز الشباب على التمسك بها وغرس محبتها في نفوسهم وعقلهم ،إلا أن هذه القرارات والإجراءات تصطدم في كثير من الأحيان بالروتين وعدم القدرة على ترجمتها إلى واقعٍ ملموس ،ويبقى الكثير منها حبراً على ورق ؟!
وهنا لا بدّ من أن نسأل :هل هذه القرارات وتلك الإجراءات كافية لإعادة هيبة اللغة العربية وتعزيز جمالياتها ؟!
هل تحديد يوم احتفالي بما يتضمنه من أنشطة وفعاليات يمكن أن ينهض بمستوى اللغة العربية ويعيد لها ألقها وهيبتها ويعزز دورها في التطوير الحضاري والمعرفي للعرب الذين تخلوا في فترة ما عن هذا الدور الذي انعكس سلباً على اللغة الأم ، فتراجعت اللغة وظهرت مصطلحات وتعابير أجنبية دخيلة أصبحت اليوم جزءاً من المصطلحات المتداولة وبكثرة في مجتمعنا العربي ؟!
لا شك أن يوم اللغة العربية والذي يصادف الثامن عشر من كانون الأول على رمزيته يحرض الناشئة والمهتمين بلغتهم الأم على زيادة الاهتمام بهذه اللغة ،وتحفيزهم على القراءة والمطالعة والتحدث بها في المدرسة والجامعة ،وجعلها لغة التداول اليومي والتمسك بها وبجمالياتها وتطوير الذائقة اللغوية ،والابتعاد ما أمكن عن الأسماء و المفردات والألفاظ الأجنبية التي يلجأ إليها البعض لتسمية أبنائهم أو محالهم التجارية ؟!
وهنا لا بدّ أن نؤكد على الدور الإيجابي للجان تمكين اللغة العربية والتشدد في الإجراءات لحماية لغتنا العربية من ظاهرة اللحن واستخدام المسميّات الأجنبية ،وتشجيع الأبناء على الاهتمام بلغتهم الأم من خلال إقامة الدورات والندوات و المسابقات ومنح الفائزين جوائز مجزية …
إن تكامل الأدوار بين الوزارات والهيئات المعنية باللغة العربية ،وزارة التربية ،التعليم العالي ، الإعلام ،مجمع اللغة العربية …يعد عاملاً أساسياً في الارتقاء باللغة العربية والحفاظ عليها ،وتمكين التلاميذ والطلبة والإعلاميين من التحدث والتخاطب بها وفهم قواعدها وجمالياتها .
ونظراً لأهمية اللغة العربية وأثرها في حياة الفرد والمجتمع كانت سورية من الدول العربية السباقة في الاهتمام بها وإصدار الكثير من القرارات التي تعمل على تمكينها بين أفراد المجتمع ،هذا الاهتمام جاء بتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد الذي يؤكد دائماً على الدور الريادي للغة العربية كونها العامل الأهم في وحدة العرب وصون تاريخهم وتراثهم وحضارتهم .
ضمن هذا التوجه عمدت الصحف المركزية (الثورة ،تشرين ،البعث )والمحلية إلى تخصيص زاويا لغوية يومية يحررها عدد من الأدباء والكتّاب المتخصصين في اللغة العربية ،فمن منا لا يتذكر الدكتور شوقي المعري ،صلاح الدين زعبلاوي ،يوسف الصيداوي وبرنامجه التلفزيوني الشهير (اللغة والناس ). وما زالت مستمرة في صحيفة الثورة تحت عنوان: رحلة كلمة.
هذه الزوايا قدّمت إضاءات مهمة على لغتنا العربية وخاصة للناشئة والطلبة .
بقي أن نُشير أن الخطوة الأولى في مشروع تمكين اللغة العربية يجب أن يبدأ من الصفوف الأولى في مرحلة التعليم الأساسي وتعزيز دور معلم ومدرس اللغة العربية وتطوير أدائه وخبرته من خلال الدورات المتلاحقة وتحفيزه على صقل وتعزيز إمكاناته اللغوية ونقلها بمحبة ويسر إلى تلاميذه .
التاريخ: الثلاثاء21-12-2021
رقم العدد :1077