الثورة – جهاد اصطيف:
استفاقت مدينة حلب، اليوم، على وقع أزمة مرورية خانقة إثر توقف عدد من سائقي سيارات النقل الجماعي “السرافيس” العاملة على خطوط رئيسة عدة، أبرزها الميسر– جزماتي، الشيخ سعيد، صلاح الدين، الأعظمية، الأشرفية، وذلك احتجاجاً على قرار تخفيض التعرفة الرسمية إلى 2000 ليرة سورية للراكب الواحد.
وقد أدى هذا التوقف المفاجئ إلى شلل جزئي في قطاع النقل الداخلي، ما انعكس سلباً على حركة المواطنين، خاصة شريحة العمال والموظفين وطلاب الجامعات والمدارس، الذين تأثروا بشكل مباشر بهذه الأزمة.
المواطنون يدفعون الثمن
العديد من المواطنين الذين التقيناهم في مختلف أحياء المدينة أعربوا عن استيائهم الشديد، إذ قال الموظف هاني: تأخرت عن عملي لأكثر من ساعة ونصف، وسأسجل غياباً يخصم من راتبي، في وقت لا يكفي فيه الراتب للأساسيات أصلاً.
فيما أكدت الطالبة الجامعية إسراء أنها فشلت في الوصول إلى جامعتها لتقديم أحد امتحاناتها الفصلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرمانها من المادة، مضيفة: لم أجد أي سرفيس على خط صلاح الدين، والبديل الوحيد كان التاكسي، وهو مكلف جداً مقارنة بدخلي.
استغلال وتجزئة للخطوط
وفي ظل الغياب الجزئي للسرافيس، لجأ عدد من السائقين على خطوط أخرى إلى تجزئة الخط وفرض أجور مضاعفة على الركاب، إذ عمدوا إلى تقسيم الرحلة الواحدة إلى مرحلتين أو ثلاث، بحجة “ارتفاع التكاليف”، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً.
السيدة أم مازن، ربة منزل، قالت: بدلاً من 2000 ليرة دفعت اليوم 5000 للوصول إلى السوق، وكأننا نحن من نقرر التسعيرة أو نتحكم بأسعار المازوت!.
السائقون: الخسارة تهددنا بالتوقف الكلي
من جهتهم، برر عدد من سائقي السرافيس المحتجين تصعيدهم بالإشارة إلى عدم جدوى التسعيرة الجديدة، وقال السائق أبو صلاح “خط الأعظمية”: سعر المازوت والإصلاح الدوري غال جداً، كيف يمكننا الاستمرار بتعرفة 2000، القرار يحتاج مراجعة واقعية.
أبو وائل، سائق على خط الميسر- جزماتي، قال: نحن لا نريد من وقفتنا سوى أن يعاد النظر في التسعيرة، صحيح أنها غالية على المواطن، لكن بنفس الوقت أمامنا الكثير من المصاريف، أنا على سبيل المثال أعيل أسرتي وأخي يعمل معي، عدا عن أجور التصليحات والصيانة وثمن المازوت والزيت وغيرها، كل ما كنا نأمله تسعيرة تنصنفنا فقط.
أبو أحمد، سائق على خط صلاح الدين يقول: أعمل من الساعة السادسة صباحاً ولغاية الخامسة مساء، وفي نهاية يوم شاق من العمل، بالكاد أجمع ثمن الصيانة والأجرة، ويردف: الإضراب ليس مزاجاً، وإنما ليسمعنا أحد ويجد حلاً منطقياً لنا، سواء من خلال دعم المازوت أم غيره من الحلول التي تراها المحافظة مناسبة.
أبو نذير، يعمل بين خطي الأعظمية وصلاح الدين أوضح أن التعرفة الرسمية الأخيرة لا تكفي، وبنفس الوقت المواطن ليس بمقدوره الدفع أكثر، بتنا بين نارين، الدولة لا تدعمنا، والمواطن غير قادر أن يتحمل الزيادة، ماذا نفعل يتساءل؟.
أبو أمين، سائق على خط الشيخ سعيد يقول: كل يوم لدينا مشكلة.. المازوت، القطع، الورشة، وحتى الركاب وتعصيبهم علينا في بعض الأحيان، حقيقة لم تعد بيئة عملنا عادلة، الإضراب كان وسيلتنا الوحيدة لنوصل الصوت للمعنيين.
ويضيف: لم نكن نحبذ أن نوقف العمل، لكننا اضطررنا، لأنه من دون حل جذري من المحافظة ومديرية النقل، يمكن أن تتكرر المشكلة، لكن في النهاية نحن من دفع الثمن من لقمة عيشنا.
فيما أشار سائقون آخرون إلى أنهم لا يهدفون إلى الإضرار بالمواطنين، بل يبحثون عن تحقيق الحد الأدنى من الجدوى الاقتصادية لتغطية نفقاتهم اليومية.
مديرية النقل: نرفض الإضراب وسنتخذ إجراءات قانونية
وفي بيان توضيحي صدر عن مديرية النقل في محافظة حلب، أكدت فيه أنه بعد قرار محافظ حلب المهندس عزام الغريب بتخفيض التعرفة، شهدت المدينة اضطراباً في حركة النقل العام بسبب توقف بعض سائقي سيارات “السرافيس” على عدة خطوط رئيسة احتجاجاً على تخفيض الأجرة الرسمية إلى 2000 ليرة سورية، ما أثر على آلاف المواطنين من موظفين وطلاب.
وأضاف البيان: إن المديرية استجابت بتسيير فرق لضبط الحركة وعقد اجتماع مع السائقين لمناقشة التسعيرة وفض الإضراب، وقدم المدير العام للنقل الداخلي بحلب محمد الشيخ حلولاً واستمع لمطالبهم.
وحذرت المديرية من استبدال “السرافيس” بباصات نقل داخلي في حال عدم الالتزام بالتعرفة الجديدة التي وضعت بناء على دراسة شعبية دقيقة، مؤكدة أن المخالفات ستعرض السائق للمساءلة القانونية وحرمانه من الخط، مع ضرورة مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة للمواطنين.
مطالب شعبية بالرقابة والمحاسبة
وفي ختام جولتنا، طالب مواطنون بضرورة تفعيل الرقابة على قطاع النقل بشكل يومي، وإيجاد خطوط بديلة في حال تكرار مثل هذه الإضرابات، التي تحولهم إلى ضحايا في صراع تعرفة لم يكن لهم يد فيه.
ودعوا إلى تحقيق توازن حقيقي بين حقوق السائقين ومتطلبات الخدمات للمواطن، وسط ظروف اقتصادية تزداد صعوبة يوماً بعد آخر.