The New Arab  بين السرديات الإعلامية العبرية والإنجليزية، إسرائيل تخفي اعترافاتها بجرائم الحرب

الثورة- ترجمة هبه علي:

سأفترض أن كل من يقرأ هذا المقال قد اطلع على خبر قصف إسرائيل لمستشفى ناصر في خان يونس. بمجرد متابعة بي بي سي أو غيرها من وسائل الإعلام الغربية، ستتضح لكم صورة مماثلة؛ إذ قصف المستشفى مرتين، الأولى قتلت صحفي رويترز حسن المصري وآخرين، والثانية بدت وكأنها ضربة مزدوجة استهدفت فرق الإسعاف.

صرح بنيامين نتنياهو بأن هذا الحادث كان “حادثا مأساويا” وأن إسرائيل “تأسف بشدة عليه”، كما زعم الجيش الإسرائيلي أنهم كانوا يستهدفون “كاميرا مراقبة تابعة لحماس”.

هل هذا ملخص كاف لما نعرفه؟ لا. أولًا، لا يفسر تفسير إسرائيل الغارة المزدوجة. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن أبسط طريقة للحصول على رواية أشمل هي ببساطة قراءة الأخبار الإسرائيلية. لكن قبل أن أخوض في ذلك، أود أن أروي قصة عن سيارة إسعاف سحرية.

في عام ٢٠٠٢، أسرت إسرائيل الزعيم الفلسطيني الشهير مروان البرغوثي. افتح تقرير عاموس هاريل في صحيفة هآرتس باللغة الإنجليزية ، وستقرأ كيف حاصرت دبابات جيش الدفاع الإسرائيلي المنزل الذي كان يختبئ فيه البرغوثي قبل أسره. لاحظ العديد من القراء ذوو النظرة الثاقبة آنذاك أنه إذا قرأت العبرية، فسترى الصحفي نفسه في نفس الصحيفة يقدم رواية مختلفة قليلاً للأحداث . يكتب (مترجما): “احتشد الجنود في سيارة إسعاف مدرعة للوصول إلى المنزل الذي كان يختبئ فيه البرغوثي بأسرع وقت ممكن وإغلاقه”.

وتنقل مقالة عبرية أخرى عن مراسل يسأل عما إذا كان ذلك يقوض الاتهامات الإسرائيلية للفلسطينيين باستغلال حصانة سيارات الإسعاف للقيام بهذا الشيء بالضبط.

كيف تتحول كلمة “سيارة إسعاف” في العبرية إلى “دبابات” في الإنجليزية؟ لأن الإسرائيليين يخاطبون جمهورين مختلفين. الأول هو عامة الدول الداعمة، الذين يعتقدون في الغالب أن إخفاء الجنود في سيارات الإسعاف أو قتل الصحفيين أمرٌ سيئ. والثاني هو عامة الإسرائيليين، الذين لا يكترثون في الغالب بـ “قوانين الحرب” أو أي مبادئ أخلاقية.

هذا يخلق ديناميكية محرجة، فإذا أردت قراءة  أسوأ صورة لإسرائيل، فلن تحتاج إلى البحث عن دعايةٍ معاديةٍ لها، بل يكفيك قراءة صحافتهم، وستجدهم يقرون بانتظام بشتى أنواع الجرائم الفاسدة. لكن مناصريهم الأكثر حكمةً يدركون أن التباهي بكيفية إخفاء الجنود بذكاء في سيارة إسعاف لأسر قائدٍ فلسطينيٍ ليس أمرا مقبولا في بقية العالم، لذا يمارسون الرقابة الذاتية على أنفسهم باللغة الإنجليزية.

وهذا يعدينا إلى قصف مستشفى ناصر. كيف تناولته الصحافة الإسرائيلية؟

على إذاعة إسرائيل 94، تحدث أحد عناصر المخابرات الإسرائيلية عن تتبعه شخصيا لموقع “كاميرا حماس” المذكورة قبل تسليم المعلومات للجيش الإسرائيلي. من المقابلة (الفضل يعود ليونس طيراوي لنشرها وترجمتها)، يتضح جليا أن “كاميرا حماس” هذه والبث المباشر لرويترز الذي كان يعمل من مستشفى ناصر طوال الأسبوع هما الشيء نفسه.

واعترف العميل أيضا أنه لا يعتقد حرفيا أن هؤلاء الصحفيين أعضاء في حماس، ولكن لأنهم مسموح لهم بالعمل في غزة، فهذا يعني أنهم “ملتزمون” تجاه حماس وبالتالي هم أهداف مشروعة.

وبالمثل، إذا قرأت ملخص القناة الإسرائيلية الرابعة عشرة للهجوم، ستجد أن مستشفى ناصر وصف بأنه “مقر للإرهابيين يولد فيه الإرهابيون، وقد نجحت قواتنا في تدميرهم”. كما وصف قصف المستشفى بأنه “هجومٌ ناجحٌ ودقيق”، حيث “قتل أيضا إرهابيون متنكرون بزي صحفيين”.

وفي مقال آخر ، تم تحديد أن القصف “تمت الموافقة عليه وتنسيقه مع القيادة العليا، التي كانت على علم به قبل تنفيذه”.

إن اعتذار نتنياهو الذي ادعى فيه أن القصف كان خطأ قد حظي بالاهتمام في إسرائيل (لاحظ أن اعتذاره موجود فقط في بيان باللغة الإنجليزية، وليس في النسخة العبرية)، وهو ما كان كافياً لكي تنقل القناة 14 عن “كبار مسؤولي جيش الدفاع الإسرائيلي” تعبيرهم عن دعمهم “للجنود الذين هاجموا مستشفى ناصر” قائلين إنهم “فعلوا ما هو مطلوب”.

من التفاصيل الجديرة بالملاحظة بيان جيش الدفاع الإسرائيلي باللغة الإنجليزية، الذي زعم أن أحد “الإرهابيين” الذين قتلوا في هجوم المستشفى “شارك في التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية في 7 تشرين الأول “، وهو بيان غامض بعض الشيء، لكن من الواضح أنه يهدف إلى تصويره كمقاتل. في الواقع، لم تعر صحيفة “جويش كرونيكل” اهتماما للدلالات الضمنية، واكتفت بوصفه بأنه “أحد مسلحي 7 أكتوبر”.

يمكننا الرجوع إلى الصحافة العبرية الإسرائيلية لمعرفة الحقيقة الصريحة؛ ففي مقال لصحيفة معاريف ، يصرح الكاتب بصراحة أنه، وفقا للجيش الإسرائيلي، قتل “أحد الصحفيين الذين وثقوا أحداث 7 أكتوبر” دون أي محاولة للتظاهر بأنه ليس صحفيا. بالنسبة لجمهورهم، يعد كونهم صحفيون سببا كافيا لقتلهم.

إما أن هذا التناقض لا يتم توضيحه في معظم التغطيات الإعلامية الغربية لأن المراسلين كسالى للغاية بحيث لا يفعلون أي شيء سوى إعادة نشر بيانات الحكومة الإسرائيلية، أو أنهم يعرفون كيف يتحدث الإسرائيليون فيما بينهم، ولكنهم يختارون عدم مشاركة هذا مع الجمهور الأوسع.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع : سوريا تكتب تاريخ البلاد بأيدي وأموال السوريين   استثمار مباشر في سوريا..  وفد شركة SALT الأميركية في حسياء الصناعية   تأهيل مشتل الطعوم ومعالجة الهموم الزراعية في إدلب  2.5 مليون طن الإنتاج السنوي للأشجار المثمرة بعد إلغائها لطلاب الثانوية… "التعليم العالي" تمنح دورة تكميلية لبعض الفئات الجامعية جناح "الأشغال العامة والإسكان".. مبادرات استثمارية وتنموية لتطوير قطاع الإنشاءات إحياء السياحة بالسكك الحديدية  The New Arab  بين السرديات الإعلامية العبرية والإنجليزية، إسرائيل تخفي اعترافاتها بجرائم الحرب الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا.. تهديد خطير للسلم والأمن في المنطقة والعالم  الاتحاد الأوروبي يقدم 22 مليون يورو لتخديم أكثر من 6.5 ملايين  شخص في سوريا صحيا   تعاون  بين الشبكة السورية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لدعم مسار العدالة  "الأشغال العامة": استكمال أعمال إنشائية في جامعة طرطوس   فرص التصدير في معرض دمشق الدولي صابون الغار.. إرث حلبي يعبر الزمن في "دمشق الدولي"  متابعة تحسين الخدمات ضمن حملة "ريف دمشق بخدمتكم" جناح المؤسسة العامة للأسماك.. قصة غذاء وصحة وتنمية مستدامة  جناح " الأوقاف "تجسيد رسالة سوريا الجديدة    ريف دمشق في معرض دمشق الدولي.. ذاكرة وطن وهوية لا تُنسى  من الإغاثة إلى الاستثمار في الإنسان.. حضور لافت لـ "نوى الخيرية" في المعرض خطة تنفيذية لصحة درعا للبدء بمشاريع حملة "أبشري حوران"