الثورة – إيمان زرزور:
لم يكن إعلان الرئيس أحمد الشرع عن إطلاق “صندوق التنمية السوري” من قلعة دمشق مجرد خطوة مالية أو إدارية، بل يحمل أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية أعمق، تُظهر ملامح المرحلة المقبلة في سوريا بعد سقوط النظام المخلوع.
إطلاق الصندوق من “قلعة دمشق”، بما تمثله من رمزية تاريخية، يوحي برسالة سياسية مفادها أن سوريا تدخل مرحلة جديدة عنوانها “البناء بيد السوريين”، بعد سنوات طويلة من التدمير والنهب على يد النظام السابق، والخطاب الذي ألقاه الشرع ربط بين الماضي المظلم ومرحلة “النهضة”، واضعاً الصندوق كأداة للانتقال من الشعارات إلى المشاريع الملموسة.
من أبرز النقاط التي شدّد عليها الرئيس الشرع مسألة “الشفافية والإفصاح عن الإنفاق”، في محاولة واضحة لبناء جسور ثقة مع السوريين الذين خبروا عقوداً من الفساد والهدر، مع التأكيد على أن الصندوق ليس “استجداءً للصدقات” بل واجب وطني، يعكس توجهاً جديداً في العلاقة بين الدولة والمجتمع يقوم على الشراكة والمسؤولية المتبادلة.
بنية الصندوق قائمة على “الاعتماد على السوريين في الداخل والخارج”، سواء من خلال التبرعات الفردية أو برنامج “المتبرع الدائم”، وهذا التوجه يبتعد عن الارتهان الكامل للمانحين الدوليين، ويمنح السوريين دوراً مباشراً في تمويل الإعمار. ومع ذلك، يظل التحدي قائماً في حجم الموارد المطلوبة مقارنة بما يمكن أن يقدمه التمويل المحلي، ما قد يفرض لاحقاً الحاجة إلى شراكات دولية مدروسة.
المشاهد التي شهدتها الساحات في حلب وحمص وحماة وطرطوس والقنيطرة وإدلب، حيث توافدت الحشود للمشاركة في إطلاق الصندوق، تحمل دلالة مهمة على أن المبادرة ليست مجرد إجراء حكومي، بل مشروع جماعي يتطلب تفاعل المجتمع، فالمشاركة الشعبية تضفي شرعية اجتماعية على الصندوق، وتؤسس لثقافة “المساهمة المباشرة” في إعادة الإعمار، بعيداً عن انتظار المساعدات الخارجية.
لا يمكن فصل “صندوق التنمية السوري” عن مسار العدالة الانتقالية، فالبناء المادي يترافق مع إعادة بناء الثقة والقيم، وربط الرئيس الشرع المشروع بتضحيات الشهداء والمفقودين والمهجرين يضع إعادة الإعمار في سياق وطني جامع، يجعل التنمية جزءاً من عملية أوسع للإنصاف وردّ الاعتبار.
والثابت أن إطلاق “صندوق التنمية السوري” خطوة تأسيسية تحمل أبعاداً سياسية ورمزية بقدر ما هي اقتصادية، وإنه إعلان عن بداية مرحلة جديدة في سوريا، قائمة على مبدأ أن “إعادة الإعمار ليست فقط بناء حجارة، بل ترميم الثقة الوطنية وبناء عقد اجتماعي جديد”، و نجاح الصندوق سيتوقف على مدى قدرته على تحقيق الشفافية، إشراك المواطنين، وتحويل التضحيات الماضية إلى قاعدة لمستقبل أكثر استقراراً وإنصافاً.