الثورة- عبد الحليم سعود:
في ضوء المنافسة الاقتصادية المستعرة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، الولايات المتحدة الأميركية والصين، ثمة سؤال يُطرح باستمرار من قبيل، هل يمكن أن تتحول هذه المنافسة بين الدولتين العظيمتين إلى حرب عسكرية وسط مخاوف عالمية من احتمال نهاية الحضارة التي نعرفها اليوم، بالنظر إلى حجم القوة العسكرية الهائلة التي يتمتع بها الطرفان ولا سيما الولايات المتحدة..؟!
لا جدال بأن السمة الأساسية للجغرافيا السياسية العالمية خلال السنوات الماضية، ولا سيما مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016 في ولاية أولى ومن ثم ولاية ثانية مطلع العام الحالي، أنها تحمل صراعاً حقيقياً بين واشنطن وبكين، هو صراع يأخذ أبعاداً اقتصادية وله بعض المظاهر العسكرية كدعم واشنطن المتواصل لجزيرة تايوان المنفصلة عن الصين من طرف واحد.
ومع وجود رهانات أميركية على إنشاء نظام عالمي شمولي، أو ما أطلق عليه ذات مرة الملياردير والمصرفي الأميركي ديفيد روكفلر تسمية “حكومة عالمية واحدة”، فالقوى العالمية الكبرى تستخدم الحروب بشكل متكرر لإحداث تغييرات سياسية كبرى، وهو ما جرى في غير منطقة من العالم منذ بداية القرن الماضي وصولاً إلى يومنا هذا، مع التسليم بأن معظم الحروب التي عانت منها البشرية كانت ذات بعد اقتصادي، أي الغاية منها السيطرة على الموارد والثروات وتوسيع مناطق الهيمنة والنفوذ، وإن اتخذت شعارات مختلفة.
ووسط احتدام الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي اللذين أفرزتهما الحرب العالمية الثانية منتصف القرن الماضي، والذي حسم أخيراً لمصلحة المعسكر الغربي، شقت الصين طريقها بهدوء وثقة بين الكبار كقوة اقتصادية، لم تلبث أن تحولت في لحظة ما إلى “ورشة العالم” سواء في الصناعات التي تتطلب مهارات منخفضة (المنسوجات والألعاب) أم في الأدوية، ومؤخراً في تجميع وإنتاج المنتجات الإلكترونية وصولاً إلى صناعة التكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي، و التكنولوجيا الحيوية، ما حوّلها إلى خصم حقيقي للولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي، الأمر الذي دقّ جرس إنذار ترددت أصداؤه مبشرة باقتراب انتهاء الهيمنة الاقتصادية الأميركية.
ومنذ استلام شي جين بينغ الرئاسة في الصين عام ٢٠١٢ بدت الصين راغبة بأن تكون “لاعباً في فريق” عالمي، “بمميزات صينية”.
وفي عام ٢٠١٥ ثبّت الرئيس شي استراتيجية صناعية وطنية عالمية، أطلق عليها “صنع في الصين ٢٠٢٥”، حلّت محل وثيقة غربية سابقة كانت قد صاغتها مع الولايات المتحدة والبنك الدولي، ما يثبت سعيها لأخذ مكانتها التكنولوجية على مستوى العالم.
كما عملت الصين على ترويج مبادرة “الحزام والطريق” بهدف بناء بنية تحتية عالمية تربط الصين براً وبحراً بأوراسيا وما وراءها، وهو ما رأت فيه واشنطن تحدياً كبيراً لها ولهيمنتها، وقد اعتبر البعض أن الحل الوحيد أمام العولمة الأميركية للحيلولة دون فقدان هيمنتها هو الحرب، أي شن حرب على الصين لإعاقة طموحاتها ومساعيها، وهو ما يفسر جنوح ترامب للعداء مع الصين واعتبارها الخطر الأكبر على بلاده.
وقد بلغت الحرب التجارية بين الدولتين أوجها في السنوات الماضية، إذ واجهت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة رسوماً جمركية تصل إلى 245 في المئة، وردّت بكين بفرض رسوم جمركية بنسبة 125 في المئة على الواردات الأميركية.
وفي هذا العام 2025 استعرت الحرب التجارية مجدداً بين البلدين، إذ فرض ترامب رسوماً جمركية تزيد عن 100 في المئة على واردات السلع الصينية، في حين أكدت الصين أنها “ستقاتل حتى النهاية” بدلاً من الاستسلام لما تعدّه “إكراهاً أميركياً”، وسترفع رسومها الجمركية على السلع الأميركية من 34 في المئة إلى 84 في المئة رداً على الخطوة الأخيرة للبيت الأبيض.
ويقول الكاتبان الصينيان تشياو ليانغ و وانغ شانغ في كتاب مشترك لهما، بعنوان “الحرب غير المقيدة”: إن السياسة الأميركية تعتمد على القوة العسكرية العنيفة وتشكل نموذجاً يهدد الأمن السياسي والاقتصادي والعسكري للعديد من الدول ومن بينها الصين، مؤكدَين أنه من بين الأساليب لمواجهة الهيمنة الأميركية، يمكن للصين أن تعتمد على قرصنة مواقع الويب، واستهداف مؤسسات المال، واستخدام وسائل الإعلام وشنّ حرب المدن، ويمكن أن يطلق على حرب كهذه أنها حرب غير مقيدة،إذ لا يُحظر أي شيء يزعج العدو، وحسب تشياو فإن القاعدة الأولى لمثل هذه الحرب هي أنه “لا يوجد قواعد أو شيء ممنوع”.
ويضيف الكاتبان إن هذه الحرب السرية يمكن أن تشمل هجمات على الأمن السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والأمن المعلوماتي للدولة.
وتبعية الاقتصاد الأميركي لمصادر التزويد الصيني من المواد الأولية، سواء كان لحاجات المضادات الحيوية أو المعادن النادرة الحيوية للجيش، ما هي إلا مجال واحد من مجالات هشاشة الاقتصاد الأميركي.
في المقابل تعاني الصين من وطأة العقوبات التجارية الأميركية عليها، والاضطرابات المالية والهجمات الإرهابية البيولوجية وحظر النفط عنها، وقد رجح العديد من المراقبين أن تكون حادثة غزو الجراد الصحراوي لمساحات من الصين، وكذلك تفشي طاعون الخنازير الإفريقي الذي طال الإمدادات الغذائية الأساسية الصينية، قبل سنوات جزءاً من حرب بيولوجية أميركية وليست من عمل الطبيعة.
ولذلك يعتقد على نطاق واسع أن تتخذ الحرب بين الدولتين في حال وقوعها أشكالاً جديدة غير مألوفة في التاريخ الحديث بالنظر لإمكانيات كل طرف بحيث تكون مأساوية أكثر من أي حرب وقعت سابقاً.