الملحق الثقافي:فؤاد مسعد:
أكثر الأعمال الدرامية التلفزيونية قرباً إلى اللغة العربية الفصحى والتي تبدو فيها اللغة بأبهى صورها هي الأعمال التاريخية والدينية، وفيما سبق الأعمال المدبلجة إضافة إلى الأعمال الموجهة للأطفال كما هو حال مسلسلي (كان يا مكان) و (افتح يا سمسم)، وغالباً ما اعتمدت هذه الأعمال على اللغة المبسطة القريبة من الأذن بحيث تظهر نغمتها وجماليتها وفي الوقت نفسه تبقى مُحببة للناس، ومن أبرز الفنانين الذين قدموها بألقها الفنانة منى واصف والفنان الراحل عبد الرحمن آل رشي الذي كان يصحح أحياناً التشكيل النحوي للنص قبل قراءته إضافة إلى العديد من الفنانين الآخرين، والمفارقة أن اللغة الفصحى اعتبرها عدد من المخرجين ملجأ لهم عندما يقدمون في أعمالهم شخصية تتكلّم بلغة أجنبية وسط اللهجات المنطوقة فعوضاً من أن تتكلم الفرنسية أو الانكليزية نراها تتكلم الفصحى دلالة على أنها لا تتكلم العربية !!..
ولعل واحدة من أبرز سمات المسلسلات التي تتخذ الفصحى أنها تكسر حاجز اللهجات بين الدول العربية، فتأتي سهلة وسلسلة ومفهومة لدى الجميع، ويُحسب للدراما السورية الأثر الكبير والهام الذي تركته في هذا المجال، ومن أبرز الأعمال التاريخية التي جاءت باللغة العربية الفصحى وامتازت بأنها غنية وجزلة وبليغة نذكر على سبيل المثال (البركان) عام 1989 تأليف هاني السعدي وإخراج محمد عزيزية ، (الزير سالم) عام 2000 تأليف ممدوح عدوان وإخراج حاتم علي، إضافة إلى أعمال جمعت بين الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي : (صلاح الدين الأيوبي) 2001 ، (صقر قريش) عام 2002 ، (ربيع قرطبة) عام 2003، (ملوك الطوائف) عام 2005، وأعمال تنتمي إلى الفنتازيا التاريخية جمعت بين الكاتب هاني السعدي والمخرج نجدة أنزور : (الجوارح) 1995 و (الموت القادم إلى الشرق) 1997 و (الكواسر) 1998 و(البواسل) 2000، وهناك مسلسل (الظاهر بيبرس) عام 2005 إخراج محمد عزيزية، (أبو زيد الهلالي) عام 2008 إخراج باسل الخطيب وتأليف محمد أبو معتوق ، (مقامات العشق) إخراج أحمد ابراهيم أحمد وتأليف محمد بطوش عام 2019 .
مع بداية دخول الشاشة الصغيرة إلى المنازل عُمِمَت اللهجة المصرية وباتت دارجة إلى حد كبير من خلال المسلسلات والأفلام المصرية التي تسيّدت المشهد آنذاك، ولكن ما لبثت الدراما السورية أن اشتدت رغم إنتاجها القليل لتأخذ مكانها بما تقدمه من لهجة سورية في البداية ولتحاول جذب المشاهدين، تلك الأعمال الأولى ساهمت في تغيير وجه الدراما واستطاعت تحقيق الفارق، ضمن هذا الإطار سبق وقال المخرج الراحل علاء الدين كوكش في أحد لقاءاته : (كان همنا أن نخلق دراما سورية أو دراما بنكهة سورية وأرضية سورية، واستطعنا من خلال هذه المسلسلات أن نشد الجمهور في الوقت الذي كان فيه مشدوداً للدراما المصرية من خلال السينما، وهنا شعر الجمهور بالخصوصية التي تربطه بهذه الدراما، وشعر بالرضا عن المسلسلات التلفزيونية)، ومن تلك الأعمال أيضاً ما قدمه الفنانان دريد لحام ونهاد قلعي من أعمال كوميدية شعبية قريبة من الناس.
تراجَع حضور اللغة الفصحى أمام دخول الدراما التلفزيونية إلى البيئات المتنوعة واستخدام اللهجات العامية المحكية، وساهمت المسلسلات وخاصة تلك التي دارت أحداثها ضمن البيئة الشامية في انتشار اللهجة الشامية حتى خارج الحدود السورية ، وبرزت الكثير من الأعمال التي طرحت لهجات أخرى أو طُعّمت بلهجات مناطق معينة دلالة على أصل الشخصية فعلى سبيل المثال في مسلسل (خريف العشاق) كانت هناك شخصيات من بيئات متنوعة فتابعنا لهجة أهل ديرالزور التي برزت بشكل واضح من خلال الشخصيتين اللتين أداهما كل من الفنانين (حسين عباس وصفاء سلطان) وإن عدنا إلى الوراء نجد مسلسل (التغريبة الفلسطينية) عام 2004 الذي قُدم باللهجة الفلسطينية وهو من إخراج حاتم علي وكتبه وليد سيف الذي سبق وقدم أعمالاً تاريخية بالفصحى، وهناك المسلسلان الكوميديان (ضيعة ضايعة) و (الخربة) تأليف ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو واللذان أغرق كل منهما في اللهجة المحلية للبيئة الخاصة به، ما يشي بأن لكل لون درامي لغته المناسبة، فعلى الرغم من أن هناك أعمالاً تتطلب أن تُقدم باللغة العربية الفصحى ولكن هناك أعمال أخرى لا تحتمل أن تقدم من خلالها وإنما تحتاج إلى لهجة البيئة التي تدور فيها الأحداث .
التاريخ: الثلاثاء21-12-2021
رقم العدد :1077