الثورة – مريم إبراهيم
يبدو أن تناول الحديث بشأن موضوع التسول بات يأخذ اهتماماً واضحاً من قبل الجهات المعنية، فالظاهرة المستمرة بالتزايد والانتشار لا تقتصر على منطقة أو أحياء معينة من دون أخرى، بل هي حاضرة في كل الأحياء والمحافظات ومن شرائح عمرية مختلفة، أطفالاً وكبار السن وغيرهم، في مشهد اجتماعي ينذر بكثير من القلق والخوف وضرورة الحذر والأخذ بعين الاعتبار وبجدية كبيرة ما قد تحدثه هذه الظاهرة من آثار سلبية على الفرد والمجتمع من مختلف الجوانب.
في صلب النقاشات
وضع هذا الملف مؤخراً في صلب نقاشات الجهات المعنية، ولاسيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إذ ناقشت الوزيرة هند قبوات، مع ممثلين عن عدد من الوزارات المعنية ظاهرة التسول، وكيفية التعامل معها عبر خطة وطنية تضمن معالجة هذه الظاهرة، وتم الاجتماع في مبنى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية لشؤون مجلس الوزراء بدمشق بحضور معاون الأمين العام لشؤون مجلس الوزراء المهندس علي كده.
وملف التسول هو بحد ذاته من الملفات ذات الأهمية الكبيرة التي تلامس مختلف القضايا المجتمعية، ويبدو أنها ليست الوزارة الوحيدة المعنية بهذا الملف، بل هناك وزارات أخرى لها حصة كبيرة في المشاركة في معالجة ظاهرة التسول والحد منها، ويؤكد ممثلو الوزارات أن الخطة يجب أن تشمل رصد حالات التسول والتشرد، وتنظيم الضبوط اللازمة والتنسيق مع مديريات الشؤون الاجتماعية والمحافظات، لتشكيل لجان مكافحة لهذه الظاهرة..
دراسة واقع
ولاشك من الضرورة المؤكدة، والتي تناولتها المناقشات هي دراسة واقع دور تشغيل المتسولين والمتشردين، وأهمية تعديل القوانين الخاصة بها، وتوفير الاعتمادات لإنشاء دور إضافية في المحافظات، وتأهيل وترميم المراكز الخاصة، وإعداد حملة إعلامية للتوعية بخطورة التسول، والعمل على توفير فرص عمل للمتسولين عبر مشاريع صغيرة، أو تدريب مهني بالشراكة مع القطاع الخاص، ويبرز في هذا الشأن كمثال: هو دراسة الواقع الراهن لدار تشغيل المتسولين والمشردين في الكسوة، و قيام الوزارة وبالتعاون مع الجمعيات الأهلية بتخصيص عدد من المراكز لرعاية الأطفال المشردين والمنفصلين أسرياً.
ومع كل ما يطرح، أو يناقش، ويثار هنا وهناك، بما يخص التسول وحدها الشوارع والحارات والأزقة في مختلف الأمكنة، هي خير الشواهد التي تعطي الدليل القاطع والبرهان الأقوى على تزايد حالات التسول من قبل كثير من الفئات المجتمعية، لدرجة هناك مشاهد مؤلمة وصادمة للعيان، حيث أشخاص متسولون يعتمدون في تسولهم أطفالاً صغار رضع يفترشون الأرصفة وتحت حر الشمس وبرودة الأجواء ليحصلوا على حاجتهم عبر التسول غير عابئين بحجم الأخطار والمشكلات التي تنجم عن هذا العمل وخطورته على هؤلاء الأطفال آنياً ولاحقاً.
تسرب وتسول
وفي ميدان هذه الشوارع التي تحكي يومياً الكثير من القصص والحكايا المؤلمة لمن هم في دائرة ظاهرة التسول، هنا وهناك وتتضح كيفية اللجوء للتسول، لدرجة أنه في هذا الملف بات من الصعب جداً التمييز بين المتسولين ممن هم بأمس الحاجة للتسول، وبين الآخرين ممن اتخذوا من التسول مهنة لكسب المزيد من المال، حتى على حساب شتى القيم والعادات المجتمعية المعمول والمتعارف بها.
ومن كل تلك المشاهد يبدو مشهد الأطفال وهم يمدون أيديهم ويستوقفون المارة، ويهرولون خلف السيارات رغم الخطورة علهم يجدون من يلبي حاجتهم وطلبهم في الحصول على المال.
وفي هذا المشهد، وأسباب دفع الأطفال لامتهان التسول تقول المربية التربوية ندى محمد لصحيفة الثورة: المؤسف في كل ما يخص ظاهرة التسول هو رؤية الأطفال بعمر الزهور ينتشرون في أماكن مختلفة كمتسولين سواء من أنفسهم، أم من وضع أسرهم المادي الذي دفعهم لذلك بحكم الحاجة المادية في ظل الظروف المعيشية الصعبة، إذ زاد انتشار التسول والتشرد نتيجة لما أفرزته الحرب على سوريا من آثار سلبية ودمار وتهجير وغير ذلك، لنجد الأطفال ضحية كبيرة في خضم هذا المشهد المأساوي المؤلم.
وتضيف المربية محمد: في الوقت الذي يجب أن يكون هؤلاء الأطفال في مدارسهم وعلى مقاعد الدراسة كما بقية أقرانهم نجدهم في الشوارع غير عابئين بمدارس أو تعليم، فالتسرب المدرسي من الأسباب التي زادت من التسول، ويلحظ الزيادة الملفتة في إعداد المتسربين من المدارس من أعمار مختلفة، وهذا مؤشر يدعو للقلق، ويجب أن تأخذه الجهات التربوية بعين الاعتبار وتعمل على معالجته والحد منه حفاظاً على هؤلاء الأطفال وضماناً لمستقبل تعليمي مناسب لهم، فهم بالنهاية الأجيال التي تبني المستقبل، وواجب تفعيل القوانين التي تلزم الأطفال بعدم التسرب، ومتابعة التعليم، فالمدارس يجب أن تكون البيئة الحاضنة لهم، وذلك بالتعاون مع جهات معنية أخرى حماية لأطفالنا وصوناً لهم ولمستقبلهم.
دقة الطرح
ويبقى تناول التسول أمراً غاية في الدقة، ويطرح في كل جانب وسبب من أسبابه الكثير من الأحاديث، ومن المهم أن يناقش بشفافية وواقعية تدرس المشكلة وتحلل وتفند، وذلك من شأنه أن يساعد في وضع خطط أكثر جدية لتعالج الظاهرة من جميع التفاصيل والزوايا، وبتشاركية بين وزارات معنية عدة، فإلى جانب الشؤون الاجتماعية والعمل هناك وزارات التربية والداخلية والإعلام وغيرها، ومن الممكن أن تصل لحلول مناسبة تحد من التسول والتشرد، وهناك أيضاً دور مهم للجهات المجتمعية والأفراد وللمختصين والخبراء، الذين يمكن أن يبدوا بأرائهم حول هذا الموضوع الذي بات بأمس الحاجة لمعالجة مستعجلة تخفف من سلبياته، وتحد من أعداد المتسولين وتفرق بين المحتاج والذي يمتهن التسول لأجل المال فقط، ومعاقبة الأشخاص ممن يتخذون الأطفال وسيلة وركيزة أساسية لكسب المال ويطلقونهم في الشوارع كمتسولين لا كمحتاجين.
ولحين إطلاق خطط المعالجة بشأن التسول يبقى المهم حالياً تكثيف الجولات في الشوارع ورصد الظاهرة، حيث عملية الرصد تعد دافعاً ومساعداً في وضع حلول مناسبة تخدم الهدف وتحقق الغاية المطلوبة للحد من الظاهرة، وتبقى الآمال أن تكون النقاشات والطرح بداية بصيص نور في نفق الأمل.