الأسعار في ارتفاع والتجار في دائرة الاتهام

الثورة – مريم إبراهيم:
لمجرد أن تكون من مرتادي الأسواق في هذه الأيام ثمة أسئلة كثيرة وإشارات استفهام تبدو عناوين بارزة لحال وواقع المشهد اليومي للأسواق وحركة التسوق هنا وهناك في مختلف هذه الأسواق في المناطق والأحياء سواء نظامية كانت أم عشوائية.

مؤشر يومي

الملفت أنه يومياً تسجل أسعار المواد ارتفاعاً متزايداً ليشمل مختلف المواد الاستهلاكية والغذائيات والخضار والفواكه، ولاسيما منها الموسمية الحالية كالخيار والبندورة والعنب والبطاطا وغيرها الكثير في قوائم استهلاك يومية لا غنى عنها للمستهلك، حتى لو كانت بأبسط الحالات والنسب الاستهلاكية.

ويبدي الكثيرون الدهشة والحيرة، إذ تبقى الأسئلة معلقة من دون إجابات، فارتفاع الأسعار بدأ وفق مؤشر يومي وحتى أنه في بعض الأحيان وكأنه يتغير وفق سعر الصرف ارتفاعاً وليس هبوطاً، فارتفاع الأسعار مستمر حتى لو انخفض سعر الصرف في فترات ما، إذ تشهد الأسعار في الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً بجميع أصناف السلع والمواد ومسمياتها.

ويؤكد مرتادو الأسواق أن عدم الرقابة والمتابعة المطلوبة للأسواق يعكس حالة من الفوضى والعشوائية في المخالفات والتجاوزات، وكذلك الاحتكار العلني للمادة في ظل عدم وجود قانون لدينا لمحاربة الاحتكار، وأيضاً يخلق حالة من التباين في الأسعار بين سوق وآخر وحتى بين بائع وآخر في نفس السوق والمنطقة ذاتها، ولنفس السلعة، وليظل لسان حال المستهلك يردد متى تضبط الأسواق والأسعار، ولماذا يبقى هو الحلقة الأضعف في هذا الموضوع ومعرض دائماً للاستغلال من تجار لا رحمة أو رأفة في قلوبهم، مع الإشارة إلى أن حدود الاستهلاك بدت مختصرة على مواد أساسية استهلاكية دون أخرى حيث بدت هذه الأخرى في نظر المستهلك كماليات ليس إلا.

تعددت الأسباب

في البحث عن إجابات واضحة حول أسباب هذا الارتفاع وحالة الفوضى والعشوائية التي تعج بها الأسواق تتعدد وجهات النظر من جوانب مختلفة، فهناك من يعزو السبب للقرار الذي صدر تموز الماضي للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية والقاضي بمنع استيراد عدد من المنتجات الزراعية والفروج اعتباراً من مطلع شهر آب القادم، وذلك في إطار حرص الهيئة على دعم الإنتاج المحلي وحماية القطاع الزراعي الوطني.

وتضمن القرار مواد البندورة– خيار– بطاطا– كوسا– باذنجان– فليفلة– تفاح– عنب– دراق– كرز– إجاص– بطيخ أحمر– بطيخ أصفر– تين– تين مجفف– ثوم– بصل– بيض– فروج حي– فروج طازج، إذ ساهم ذلك في الارتفاع مع ما يطرحه آخرون من تأثير ارتفاع سعر الصرف، ولكن ما علاقة ارتفاع المواد المنتجة محلية والموسم بهذا السبب، إذ جاء القرار في ظل واقع تعيشه الأسواق، بتناقضات ومشاهد مختلفة، بعد أن شهدت في فترة محدودة بعض الاستقرار في أسعار الخضار.

شعبية وسياحية

ويبين عدد من المواطنين أن الأسعار لاتقف عند حد معين، حتى الأسواق الشعبية التي كانت ملاذ الكثيرين طمعاً في أسعار مقبولة، لكن باتت أسعارها مرتفعة كما هي المحال والبقاليات المنتشرة في أحياء بعيدة عن السوق، في حين ارتفعت الأسعار في مناطق وأسواق أخرى لتسجل أعلى معدلات الارتفاع وتصبح تحت مسمى سياحية محدودة على شريحة مجتمعية، ومحترمة على شريحة ذوي الدخل المحدود وباقي الشرائح الهشة في المجتمع.

محمد العلي، وعبد العزيز محمود، وعمر السعدي، يرتادون سوق النور في الزاهرة بشكل يومي لتأمين متطلبات الأسرة بينوا لصحيفة الثورة أن الأسعار في ارتفاع يومي، رغم أن السوق يعد من الأسواق الشعبية ومقصد الكثيرين ممن يبحثون عن قضاء حوائجهم بأنسب الأسعار، وبما يوافق دخلهم المادي المتدني، بالتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية للمستهلك في الظروف الصعبة المعيشية، وحجة التجار في الارتفاع هي ارتفاع سعر الصرف.. فالبندورة وهي انتاج محلي وموسمها الحالي سجلت أمس أرقاماً قياسية لتصل حتى عشرة آلاف للنوع الجيد، وهناك البطاطا التي وصلت حتى ثمانية آلاف للنوع العادي، في حين قارب سعر صحن البيض الخمسين ألفاً، مما يضطر الكثيرون للاستغناء عن بعض السلع رغم الحاجة إليها، وليتزامن هذا الارتفاع مع تحضيرات المونة وتأمين تجهيزات افتتاح المدارس، وهذا كله بدا مرهقاً جداً، ولاسيما للأسرة التي لديها عدد كبير من الأفراد.

فواكه الخمس نجوم

ويشير أبو العبد، وهو تاجر في السوق، إلى أن أسعار السوق تختلف بين يوم وآخر، كما أن أسعار الصباح تختلف عن أسعار المساء، وارتفاعها جاء مع قلة إنتاج الخضار والفواكه هذا الموسم بسبب الجفاف، وقلة المياه لري المزروعات، وهذا ما ساهم في الارتفاع فالعرض محدود والطلب كبير، خاصة في موسم المونة، إضافة إلى انعكاس قرار منع الاستيراد في هذا الارتفاع الملحوظ، فهناك خضار لا غنى عنها وسيشتريها المواطن حتى مع ارتفاع أسعارها كالبطاطا والخضراوات الأخرى الأساسية في الموائد السورية، وتبقى أسعار السوق الشعبي أرخص بكثير من أسواق أخرى وفي أحياء سكنية أخرى، وتسجل أسعار الفواكه فيها أرقاماً قياسية، إذ يصل كيلو التفاح إلى الثلاثين ألفاً، وكذلك العنب والتين وغيرها، علماً انها في موسمها الحالي، إضافة لما يطرحه آخرون من تأثير ارتفاع سعر الصرف بارتفاع الأسعار الذي بدا في تصاعد ومن دون ضوابط تضع حدوداً والتزاما، ومع ما يتراود في الأذهان حول ما علاقة ارتفاع المواد المنتجة المحلية وموسم الزراعات الصيفية بهذا السبب؟

الثقة النقدية

وتتعدد آراء خبراء الاقتصاد والمختصين في هذا الموضوع.. رئيس مجلس النهضة السوري عامر ديب بين لـ”الثورة” أن الارتفاع المتسارع في الأسعار لا يمكن عزوه فقط إلى تراجع قيمة العملة المحلية، بل يرتبط بعدة عوامل جوهرية أهمها تحرير الأسواق بشكل فوضوي، وغياب الضوابط المنظمة لعملية تحرير السوق أدى إلى حالة من الفوضى السعرية، وتُرك المجال مفتوحاً أمام التجار لتحديد الأسعار وفق أهوائهم من دون أي رادع، وغياب دور حماية المستهلك فمن المرفوض أن تبقى الأسواق بلا رقابة فعلية أو من دون تحديد لهوامش الربح.

فجميع الدول، بما فيها الإمارات، ومصر، والسعودية، وحتى الولايات المتحدة، تحدد هوامش ربحية للسلع بحسب نوعها حفاظاً على التوازن بين التاجر والمستهلك، أما الدول الضعيفة اقتصادياً فهي تلك التي تتخلى عن مسؤوليتها في ضبط الأسعار ومتابعة الأسواق، وتترك المواطن وحيداً أمام جشع بعض التجار، وهناك سياسات الاستيراد والتصدير، فسوء إدارة ملف الاستيراد والتصدير، سواء عبر القيود غير المدروسة أو الانفتاح غير المنضبط، يساهم بشكل مباشر في رفع الأسعار ويزيد من أعباء المواطن.

ويضيف ديب: إن من جملة الأسباب في ارتفاع الأسعار غياب أي إجراءات لتعزيز الثقة النقدية وعدم وجود سياسات واضحة لردم الفجوة بين قيمة العملة في السوق الرسمية والسوداء، وغياب أدوات اقتصادية لتعزيز الثقة بالعملة الوطنية، كلها عوامل تدفع نحو ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، كما أن معالجة هذه الأزمة لا تحتاج فقط إلى شعارات، بل إلى سياسات فعلية تبدأ من فرض الرقابة وتحديد هوامش الربح، مروراً بإصلاح سياسات التجارة الخارجية، وانتهاءً بإجراءات جدية لدعم الثقة النقدية.

سوق البيع

ويشير خبراء إلى أن سوق السلع في سوريا منذ بداية الأزمة وحتى عام 2020 كان يتمتع بنوعٍ من الاستقرار السعري، إلى جانب استقرار نسبي في الدخول، وذلك لأسباب عدة، لكن منذ عام 2020 بدأ التضخم المكبوت في الانفجار، وخلال عام واحد فقط بدأت معدلات التضخم لتصل إلى نحو 252 بالمائة في عام 2021، واستمر التضخم السلعي بالارتفاع مدفوعاً بجملة من العوامل الداخلية والخارجية.

واليوم تشهد الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً والتوقعات أن يستمر هذا الارتفاع تباعاً إن لم تتخذ إجراءات مناسبة لمعالجة المشكلة المستمرة.

أين الحماية؟

ويبقى واقع المستهلك في الأسواق بين عرض وطلب وتاجر واحتكار، وفوضى وعشوائية وتجاوزات ومخالفات هو الحلقة الأضعف والخاسر الأكيد في معادلة السوق، فالظروف الصعبة وقلة الدخل وضعف قدرته الشرائية، ما يطرح كثيراً من الأسئلة حول غياب دور الجهات المعنية بحماية المستهلك ومراقبة الأسواق والأسعار وفرض العقوبات اللازمة بحق المخالفين، والالتزام بالأسعار وفق هوامش ربح محددة، مع الالتزام بمواصفات المنتج وجودتها وسلامة الغذاء بشكل عام، وهذا بحد ذاته أمر في غاية الأهمية بما يحقق حماية المستهلك وسلامة المواد الغذائية، والعمل على ضبط الأسعار ومراقبة حركة البيع، وضمان الالتزام بإصدار الفواتير النظامية، والإعلان عن الأسعار بشكل واضح، بما يضمن استقرار الأسواق وحماية المستهلكين من أي تجاوزات، فهو الأولى بالحماية من جشع وطمع تجار السوق وارتفاع الأسعار.

آخر الأخبار
إقبال كبير في طرطوس على حملة للتبرع بالدم  الشيباني: سوريا تدعم مبادرات السلام والاستقرار الإقليمي والدولي "الأشغال العامة": الانتهاء من تأهيل أتوستراد دمشق - بيروت آخر أيلول  القانون الضريبي الجديد بين صناعيي حلب والمالية  أزمة البسطات في حلب.. نزاع بين لقمة العيش وتنفيذ القانون  جسر جديد بين المواطن والجهاز الرقابي في سوريا  90 مدرسة خارج الخدمة في الريف الشمالي باللاذقية  غلاء الغذاء والدواء يثقل كاهل الأسر السورية بعد تدشين سد النهضة..هل تستطيع مصر والسودان الحفاظ على حقوقهما المائية؟! قافلتا مساعدات أردنية – قطرية إلى سوريا 90 بالمئة من الأسر عاجزة عن تكاليف التعليم الحد الأدنى المعفى من الضريبة.. البادرة قوية وإيجابية.. والرقم مقبول عملية نوعية.. القبض على خلية لميليشيا “حزب الله” بريف دمشق "الإصلاح الضريبي" شرط أساسي لإعادة الإعمار المال العام بين الأيادي العابثة أرقام صادمة .. تسجلها فاتورة الفساد في قطاع الجيولوجيا الأسعار في ارتفاع والتجار في دائرة الاتهام سرافيس الأشرفية – جامعة حلب.. أزمة موقف بين المخالفات ومعيشة الأسر بين الهاتف الهاكر ومواجهة العاصفة الإلكترونية  الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمفقودين تبحثان آليات التنسيق عودة اللاجئين السوريين نقطة تحول من أجل إعادة الإعمار