الثورة – جهاد اصطيف:
في مدينة أنهكتها الحرب وغلاء الأسعار، لا تزال تفاصيل الحياة اليومية تشكل معارك صغيرة، يخوضها المواطنون كل صباح.
ومن بين هذه التفاصيل، يطفو إلى السطح ملف خط سرفيس الأشرفية– جامعة حلب، الذي تحول في الأشهر الأخيرة إلى قضية مستعصية، بعدما رفع سائقوه شكاوى متكررة، يطالبون فيها بإنصافهم وتخصيص موقف رسمي لهم، يضمن استمرارية عملهم ويخفف معاناة الركاب.
كانت موجودة واختفت
لسنوات طويلة، اعتاد أهالي حلب وطلابها الجامعيون على وجود مواقف للسرافيس عند دوار “أبو ريشة” ودوار العمارة، هذه النقاط لم تكن مجرد مواقع انتظار، بل محطات حياة يومية، يلتقي عندها الطلاب متجهين إلى الكليات، والأهالي في طريقهم إلى المستشفيات أو الأسواق أو مقرات عملهم.
لكن، وبحسب شهادات السائقين، تغير الوضع مؤخراً، فقد تم منع التوقف في هذه المواقف القديمة، وحتى عند إشارات جامع الرحمن التي كانت متنفساً مؤقتاً، اليوم، يواجه السائقون مخالفة فورية لمجرد التوقف لإنزال راكب، مع إمكانية تصوير السيارة وحجزها.
“نخالف حتى عندما نخدم الراكب”
يقول وائل. د، أحد سائقي الخط منذ 10 أعوام: المفارقة أننا لا نتوقف عشوائياً، بل فقط عند نقاط كان مسموح لنا العمل بها، فجأة أصبح كل شيء ممنوعاً، إذا أردنا إنزال طالب عند جامع الرحمن أو تحميل مريض يريد الذهاب إلى مشفى الجامعة الطبي، تتم مخالفتنا مباشرة، هل المطلوب أن نمر مرور الكرام ونجبر الركاب على النزول وسط الشارع ؟.
ويتابع بحسرة: أحياناً نجد عناصر المرور يصورون سياراتنا من بعيد، لنتفاجأ لاحقاً بمخالفة وصلت إلى المديرية، هذه ليست طريقة لتنظيم النقل، بل لإرهاق السائق والراكب معاً.
المشكلة لا تتوقف عند المواقف، بل تمتد إلى البعد المعيشي، فالسائقون يوضحون أن قيمة المخالفات أصبحت تحسب بالدولار، فيما الأجرة الرسمية للراكب خفضت، هذا التناقض جعلهم عاجزين عن تحقيق مردود مقبول.
يشير السائق “محمد. ح”، إلى أن ليتر المازوت صار بـ 9 آلاف ليرة، الزيت وقطع التبديل وأسعار التصليح كلها تضاعفت، ويضيف: مع ذلك، نحن ملزمون بأجرة قليلة لا تكفي حتى لإطعام أسرنا، وإذا تحركنا من دون ركاب، تكون الخسارة مضاعفة. المخالفة الواحدة تعني أننا سنعمل أياماً كاملة فقط لنسدد قيمتها، وفي النهاية، يبقى أولادنا من دون مصروف أو طعام كاف .
بين الانتظار والتكلفة
الطلاب الجامعيون، الذين يشكلون الشريحة الأكبر من مستخدمي هذا الخط، وجدوا أنفسهم في قلب هذه الأزمة، فغياب موقف رسمي جعلهم مشتتين على الطرقات، ينتظرون السرافيس في أماكن غير محددة، ما يولد فوضى مرورية ويستهلك وقتهم وجهدهم.
تقول “إسراء. أ”، طالبة في كلية الهندسة: كنا نعرف مكان الموقف وننتظر بسهولة، الآن بتنا نركض وراء السرفيس أو نضطر للصعود من أماكن بعيدة.. بالنسبة لنا، الأمر لا يتعلق بالراحة فقط، بل بالتكلفة أيضاً إذا تأخرنا على محاضرة أو لم نجد سرفيساً، نضطر لركوب تكسي، وهو أمر يفوق قدرتنا المالية.
أما “نهاد. ا”، والد أحد الطلاب، فيشير إلى البعد الاجتماعي : ابني يخرج من البيت يومياً وفي ذهنه هاجس المواصلات أكثر من الدراسة، في كثير من الأيام، يصل متأخراً للمنزل، هل يعقل أن نحرم من خدمة أساسية كهذه في مدينة مثل حلب؟.
يخدم الجميع
ليست معاناة الطلاب وحدها التي تعبر عن المشكلة، فالأهالي أيضاً يرون أن تخصيص موقف منظم سيحل جزءاً من أزمات النقل في المدينة.
يرى “عارف. ج”، موظف في إحدى الدوائر الحكومية أن وجود موقف واضح، يخفف من التكدس المروري ويمنع الفوضى، الآن السرافيس تتوقف هنا وهناك بشكل مضطر، وهذا يولد ازدحاماً واحتكاكات مع عناصر المرور، الأمر بحاجة لتنظيم، لا لمنع كامل.
من خلال متابعة الشكوى، يتبين أن الملف يقع بين صلاحيات مديرية النقل وفرع المرور، وهو ما يضاعف الإرباك، فالسائقون يرون أنهم ضحايا “تضارب التعليمات”، إذ يسمح لهم بالعمل في مكان لفترة، ثم يمنعون فجأة بلا بديل.
وكم كنا نأمل أن يأتينا الرد من المديرية المعنية لإيضاح الأمر، علماً أننا خاطبناهم عن طريق مكتبهم الإعلامي منذ أيام، وأكدنا أكثر مرة، لكن حتى لحظة إنجاز المادة لم نحصل على أي تعقيب.
غياب خطة
ويعلق خبير في شؤون النقل فضل عدم الكشف عن اسمه: المشكلة ليست في منع المواقف أو السماح بها فقط، بل في غياب خطة نقل متكاملة، فأي خط ينتهي عند جامعة حلب عادة ما تخصص مواقف ثابتة لخطوط السرافيس تخدم الطلاب والأهالي، وتقلل من استخدام السيارات الخاصة. حالياً نفتقد هذا التنظيم، ما يؤدي إلى صدام دائم بين السائقين والجهات الرقابية والركاب.
وراء كل سائق سرفيس، تقف عائلة تنتظر عودته آخر النهار، هؤلاء السائقون ليسوا مجرد ناقلين للركاب، بل معيلون لأسر يعيش معظمها على دخل يومي محدود.
يقول “محمد. خ”، وهو أب لخمسة أولاد: أعود إلى البيت وأنا مثقل بالتعب والهموم، أعمل من الصباح حتى المساء، وفي النهاية بالكاد أوفر مصروفي اليومي، ولكي أتجنب سؤال أولادي : بابا، ماذا جلبت لنا اليوم فاكهة أم حلويات؟.
هذه الشهادات تكشف أن القضية لم تعد مرتبطة فقط بالنقل والمرور، بل بالكرامة المعيشية لمئات الأسر.
حلول مطروحة
السائقون يقترحون العودة إلى موقف دوار أبو ريشة كحل مؤقت وسريع، ريثما يتم تخصيص مواقف بديلة أكثر تنظيماً، بينما يرى بعض المتابعين أن الحل الأمثل يكمن في إعادة تفعيل المواقف القديمة بعد تنظيمها، وإنشاء مواقف قرب ساحة الجامعة أو أبوابها لتخفيف الازدحام، وتخصيص خط ساخن للشكاوى، يتيح للطلاب والسائقين التواصل المباشر مع المعنيين.
تحديات يومية
تبقى قضية سرافيس الأشرفية – جامعة مثالاً حياً على التحديات اليومية التي تواجه قطاع النقل في حلب، القضية أبعد من مجرد موقف، إنها صراع بين الاحتياجات المعيشية للسائقين، ومتطلبات الدراسة للطلاب، وضرورات التنظيم المروري للمدينة.
وفي ظل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المحروقات، يصبح الحل أكثر إلحاحاً، فهل تتحرك الجهات المعنية لإعادة تفعيل موقف يضمن حق السائقين والركاب معاً أم سيبقى الجميع عالقين بين مطرقة الغلاء وسندان المخالفات؟.
تصوير- صهيب عمراية