الثورة – حسان كنجو:
ما زالت قضية البسطات غير المنظمة، من أبرز المشكلات التي تعاني منها مدينة حلب، إذ تحولت أغلبية الشوارع إلى أسواق تعجّ بالباعة، وخاصة شوارع الأحياء الشرقية من المدينة، التي تعاني أصلاً من الضيق وضعف التنظيم، وما تبع ذلك من سلبيات أخرى كالازدحام وتراكم القمامة وعرقلة المرور وغيرها.
منذ تحرير مدينة حلب من النظام البائد، سعت المحافظة بالتعاون مع المجلس المحلي، لضبط انتشار البسطات “العشوائي وغير الشرعي”، إلا أن ذلك قوبل بانتقادات لاذعة، اتهمت السلطة المحلية بـ “قطع أرزاق المواطنين والتضييق عليهم”.
ضجيج وقمامة وباعة منظّمون
“نستيقظ على صوت بائع الألبسة وننام على صوت بائع الخضار، الوضع لم يعد يحتمل، وعندما نخرج إلى الشارع، يجب علينا تجاوز أكوام القمامة التي يخلفها الباعة خلفهم”، يقول سليمان الحاج خليل، القاطن في حي الفردوس بمدينة حلب لـ”الثورة”: إن السكان تقدموا بالعديد من الشكاوى للبلدية بهذا الخصوص، لكن من دون جدوى، مضيفاً: خرجت ذات مرة من مدخل المبنى لأجده مغلقاً بالبسطات، وبعد مشادات ومناكفات مع الباعة، تمكنت من شق طريق، بالكاد يتسع لشخص واحد بين البسطتين”، لافتاً إلى أن الشجار مع الباعة قد يؤدي لعواقب وخيمة، والسبب هو صلات القرابة والصداقة التي تربطهم.
لا مكان للمواصلات ولا للمارة
فرضت مسألة البسطات نفسها كأزمة فعلية إبان تحرير حلب، إذ تسابق الجميع لفتح المزيد والمزيد من البسطات في جميع الأماكن المتاحة، سواء كانت مداخل أبنية سكنية أم دور عبادة، وحتى دوائر حكومية، الأمر الذي دفع بلدية حلب لتنفيذ حملة أزالت من خلالها عشرات البسطات، ولكن لا تزال المشكلة قائمة حتى اللحظة.
“أصبحنا نمر في الشارع كمن يمر من خرم إبرة”، يقول ممدوح سائق التاكسي الخمسيني، مشيراً إلى أن أغلبية شوارع حلب، وخاصة الشرقية منها، باتت شبه مغلقة بسبب تراكم البسطات في الأزقة والطرقات.
وتابع: في كثير من الأحيان، يضطر الركاب للنزول بعيداً عن الموقع المقصود، نظراً لانسداد الشوارع وتراكم الباعة الجوالين في المنطقة، كما أنني في كثير من الأحيان أضطر للعودة من بداية الشارع، بسبب وجود باعة في نهايته، نظراً لأن العودة ستكون صعبة، يجب التحرك وحل هذه المشكلة فوراً قبل أن” يلتهم” الباعة الجوالون الشوارع.
تعوق الدراسة
تؤكد أم محمد، القاطنة في حي بستان القصر، أن أبناءها باتوا غير قادرين على الدارسة نهائياً، بسبب ما أسمته (سمفونية الباعة بين ألحان بائع الجوارب وعزف بائع الألبسة)، مضيفةً: إن هذا الضجيج لا يحترم كبيراً أو صغيراً أو مريضاً.
وناشدت البلدية لاستخدام جميع الوسائل الممكنة، من أجل تخفيف عدد البسطات وتوزيعها بشكل لا يسبب كل هذا الضجيج، معتبرةً أن وجود الباعة بهذا الشكل الفوضوي، يؤثر على الصحة النفسية والعقلية.
الغاية تبرر الوسيلة
على الجانب الآخر، يرى الباعة وأصحاب البسطات أن جميع من سبق “غير محقين”، مشيرين إلى أنهم يكسبون قوتهم وقوت أولادهم، وعلى السكان تقدير هذا الأمر وعدم التذمر.
أبو محيو، صاحب بسطة لبيع الخضار في منطقة السكري، قال: “نحن جماعة متكسّبون على باب الله”، في النهاية أنا أسعى خلف لقمة عيشي وثمن الخبز لأولادي، نعم قد تكون هناك سلبيات، ولكن يجب على السكان عدم التعامل معها بهذه الطريقة، يجب أن يتذكروا أن قطع الأعناق أهون من قطع الأرزاق.
فيما اعتبر محمد، وهو بائع سجائر في حي الشعار، أن شكاوى الناس مبالغ فيها وكيدية، متسائلاً عن الوسيلة التي يجب العمل بها، من أجل عدم التسبب بإزعاج الغير.
حملات مستمرة
بدوره، أكد منسق المجلس البلدي في محافظة حلب أحمد المحمد، أن حملات مكافحة البسطات العشوائية ما زالت مستمرة على قدم وساق، وكان آخرها إزالة جميع البسطات من محيط منطقة الحزام الأخضر ودوار الموت، نظراً لكون المنطقة مدخل حلب الرئيسي، ومن غير اللائق وجود “البرّاكيات” والبسطات هناك.
وأضاف: نحن نقوم بكثير من الحملات المركزة التي تستهدف منطقة واحدة حتى الانتهاء من جميع المخالفات ثم الانتقال إلى أخرى، دائماً تتم إزالة البسطات لأسباب رئيسة، أهمها إعاقة السير والتسبب بالازدحام، أو تشويه الهوية البصرية للمدينة، لافتاً إلى أنه تم إنشاء أسواق منظمة لتلك البسطات، كسوق الخضار والفواكه في حي المشارقة، وسوق منطقة الحلوانية.
خطط وصعوبات
وفقاً لـ”المحمد”، فإن بلدية حلب تسعى دائماً لجعل مظهر المدينة أنظف وأرقى، إلا أنها تصطدم بالعديد من المصاعب والمشكلات، وخاصة على صعيد مشكلة القمامة المتكدسة في كثير من الطرقات، مشيراً إلى أن أهم تلك المشكلات، قلة الإمكانات وقلة الآليات وقِدمها وضعف التمويل من أجل تنظيم الأحياء العشوائية، إضافة لنقص العمال الكبير.
وفي ظل الجدل الحاصل، تتفاوت آراء الشارع بخصوص البسطات وأصحابها، بين مقدّر لجهدهم و منزعج من فوضويتهم، ليبقى السؤال لدى بلدية حلب.. من هم أصحاب المظلومية في هذا الأمر؟