الثورة – رنا بدري سلوم:
بعد أن غرق العالم بلون الخوف، وغبّت رئته أثير الموت، بقي ظلّ نور ما يخرج من سدّة الأبواب المغلقة، يرسمه ريشة فنّان ويشكّله أزميلُ نحّات، يخرج من كل لوحة صراخٌ ما، ومن كل منحوتةٍ فلسفة ما، وغوغاء ما وحتى قلق مؤرق، صحيح أننا حُجرنا وعُزلنا وتباعدنا خلال جائحة “كورونا” ظننا أن تلك الأعمال الفنيّة ستبقى رهينة الأبواب المغلقة، أسيرة النوافذ الحالمة، لكن ما أن فتحت أبوابُ المعارض حتى خرجت من محرابها تستعرض ذواتها في عروض فردية وجماعية لتبهرنا، التقينا معها بحبٍ وتصافحنا مع اللون، وتراءينا حدّ الوجع، وإن كنا قد أخفقنا في اقتناء اللوحات والمنحوتات بسبب ضعف قدرتنا الشرائية، إلا أنه وجب علينا أن نلقي الضوء على من ساهم في إحياء المعارض الفنيّة ضمن دمشق والمحافظات والتي بلغ عددها هذا العام قرابة ثمانين معرضاً فنياً تشكيلياً، وفقاً لما صرّح به “للثورة” أمين سر الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الأستاذ غسان أحمد غانم الذي بيّن أن نشاطات الاتحاد ولاسيما بعد مرور العام الثاني لجائحة كورونا، وخروجنا من العزلة، لا تزال مستمرة ومثمرة، مؤكداً أن “الفن أساس الحياة، فيه وجدنا الأمل، وبه أشرقت معالم جديدة في هذا العام بعدما فقدنا بهجة الألوان، فقد عمل اتحاد الفنانين التشكيليين جاهداً بالتعاون مع وزارة الثقافة على تجسيد كل ما مررنا به، محولاً الأبيض والأسود إلى ألوان فرح، بندواته ومعارضه التي لم تتوقف على مدار العام، فكان عام 2021 عاماً مليئاً بالفعاليات التي لم تقتصر على دمشق العاصمة بل طالت فروع المحافظات كافة، وبذلك نؤكد أن الفن التشكيلي مرآة الواقع الذي عكسه الفنان وغدا جزءا منه، جسّده لنا بلوحاته ومنحوتاته، وحتى استطاع أن يصوّر الجائحة ليعكس لنا الواقع متمكناً من أدواته الإبداعية وخياله الخصب وصورها بأجمل الفنون وأبهى الأشكال، وقد أشار غانم إلى أنه بدعم من اتحاد الفنانين التشكيليين من خلال التسهيلات التي قدمها وتعاونه الدائم مع وزارة الثقافة تم الحفاظ على قواعد السلامة وشروط التباعد الاجتماعي، وتوفير المعقمات والمطهرات والكمامات التي باتت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، خاتماً أمين سر الاتحاد بالقول: اختتم عام النشاط التشكيلي بأسبوع الفن التشكيلي، الذي يستمر في دمشق وبعض المدن السورية، ولابد أن نذكر أن وزارة الثقافة قد كرّمت مجموعة من الفنانين والفنانات الذين كان لهم الدور في تنشيط الحركة التشكيلية خلال عام 2021.
في حين أشار رئيس قسم النحت في المعهد التقاني للفنون التطبيقية الفنان التشكيلي وضاح سلامة في تصريح “للثورة” إلى أن الفنون التشكيلية مرت في مرحلتين خلال عام 2021، ففي بدايته لاقت الحركة التشكيلية صعوبات ومعوقات كثيرة لتقدم صورة الفن التشكيلي السوري المتعارف عليه بأهميته وشكله الصحيح، نتيجة ظروف مررنا بها من جائحة كورونا وظروف حياتية صعبة، فقد عانى الفنانون من صعوبة عرض أعمالهم في صالات العرض الخاصة بالمعارض وضعف القدرة الشرائية في تأمين المواد الخاصة لنتاجهم الفني نتيجة ارتفاع أسعارها، بسبب قلة العرض وضعف طلب الشراء، أما في النصف الثاني من العام 2021 فبدأ التعايش مع الواقع المفروض، بدءاً من التأقلم مع وجود الجائحة وكيفية الوقاية منها، مروراً بتأمين المواد الخاصة بالأعمال التشكيلية وصولاً إلى افتتاح الصالات والمعارض أبوابها من جديد، حتى انتعشت الحركة التشكيلية من ناحية الحضور والتفاعل مع عشّاق هذا الفن ومتابعيه، ضمن الشروط الوقائية من الفيروس، ويمكننا القول إن الفن التشكيلي السوري في أبهى تألقه وقد ظهر ذلك جليّا في أيام الفن التشكيلي حيث نشطت جميع صالات العرض الخاصة والعامة وقدمت معارض مهمة ذات قيمة وخاصة في مجال “النحت”، وبحسب رئيس قسم النحت في المعهد التقاني للفنون التطبيقية الفنان التشكيلي وضاح سلامة استطاع الفن التشكيلي بكل أنواعه التغلب على جائحة كورونا، من خلال الإبداع الفردي والتفرغ الكامل للعمل الفني ولاسيما في فترة الجائحة، فقد ازداد الإنتاج التشكيلي في تلك المرحلة، فمن الفنانين من ترجم الجائحة إلى أعمال فنية، في بادئ الأمر لم يكن الأمرُ محبباً عند الفنانين التشكيليين، ولكن في المراحل المتقدمة للجائحة استطاع بعض الفنانين أن يشكّلوا الجائحة ضمن لوحاتهم ومنحوتاتهم، فمنهم من قدّم أعمالاً مباشرة لتصل إلى عقل وقلب المتلقي، وذلك برجوعهم إلى عدّة مدارس فنية وعلى سبيل الذكر وليس الحصر المدارس السريالية والتعبيرية والانطباعية، وقد طُرحت الأعمال بشكل خلّاق ومبدع وموجّه فوصفت الجائحة والوقاية منها متحدياً الفن التشكيلي المرض متغلباً بألوانه وأشكاله على أشكال الخوف والموت والعزلة.