الثورة – أديب مخزوم:
دخلت الألوان الشاعرية والشفافة في نسيج حياة ولوحات الفنانة والطبيبة غادة زغبور منذ أيام طفولتها، حين كانت تتأمل بعشق كل لوحة تحقق عناصر الدهشة، بحركات خطوطها وزهوة ألوانها. أنها بعض مؤشرات المحرضات الأولى التي دفعتها باتجاه الرسم والتلوين، كل ذلك لتحقيق تطلعاتها الفنية، وبعد سنوات من تفاعلها واختبار مواضيع وتقنيات متنوعة، قدمت لوحات عديدة، وخاصة في معرضها الفردي بصالة طرطوس القديمة عام 2005 ولقد تفاوتت في صياغاتها بين الواقعية الشاعرية والأجواء الرمزية.
هكذا تميزت أعمالها بالتنوع التقني، وتركزت في أكثر الأحيان على الواقعية الحديثة، التي عالجت من خلالها معالم من آثار طرطوس المبنية بالحجر الرملي، مثل عمريت، كما تركت تأملاتها لأفق ومدى البحر تأثيرات جوهرية على بعض لوحاتها، وجسدت العديد من الوجوه ” البورتريهات ” والمشاهد الريفية والعازفين والطبيعة والزهور وغيرها. وبالرغم من اهتمامها، في نتاجها التشكيلي بإبراز عناصر الدقة، فهي تتجنب الرسم التقريري والمباشر، حيث يتداخل المشهد الذي تجسده، مع إيقاعات التلوين التلقائي والعفوي، الذي يتحول في النهاية إلى غنائية بصرية معبرة عن أسلوبها وخصوصيات بحثها التشكيلي والتقني، والذي يزيد اللوحة انفعالية وحيوية وحركة وشاعرية، في خطوات تنقلها بين التصريح والتلميح والترميز والتبسيط.
هكذا قدمت في لوحاتها موضوعات أثرية عكست عشقها المزمن لأجواء ومعطيات التاريخ الحضاري، وجسدت موضوعاتها بمساحات تقع بين اللمسة المركزة والعفوية، وبالتالي أقامت نوعاً من التوازن بين العقلانية الصارمة، المقروءة في البنى المعمارية الهندسية المنتظمة وبين العاطفة الغنائية المجسدة عبر لمسات اللون القزحي المتدرج، مروراً بخطواتها الرامية إلى إضفاء بعض اللمسات الرومانسية على أجواء لوحاتها.
ونجد عالم لوحات د. غادة زغبور متأرجحاً بين المشهد الواقعي، والتخيل الرمزي في موضوعاتها وتقنياتها المختلفة. وتجربتها تدل على تكثيف ومثابرة على الإمساك بالوحدة النسيجية الأسلوبية، وذلك لأنها تبوح بهواجسها، بصدق وأمانة وعشق مزمن، فحين يكون الصدق يكون التميز في حركة الخط واللون وتوضعات الظل والنور.
هكذا نجد أنفسنا إيجابيين معها وهي تتنقل بين ما هو واقعي وتعبيري ورمانسي ورمزي وخيالي، لأنها تتعامل مع مناخات لونية واحدة، مسيطرة على أجواء لوحاتها، كأنها تريد أن تقول لنا هكذا أنا أستلهم وأطلق العنان ليدي لترسم دون فواصل وحدود وضفاف، إلا مع رغبات التواصل مع النسيج اللوني الذاتي.
عن مشوارها الفني ودورها في تسليط الضوء على آثار طرطوس وعمريت تقول: “بدأت أتلمس وجهتي نحو الرسم عندما رسمت مباشرة وجه جدي، بروفايل جانبي له بالطبشور على لوح دراستي، كنت وقتها في الصف الخامس، حينها قال لأمي مدهوشاً ستكون غادة يوماً ما ذات شأن، أحسست بالمرونة في يدي وزادت الثقة بنفسي في معهد أدهم اسماعيل/ ١٩٨٢ حتى ١٩٨٧/ وأنا أتلقى تعليقاً من الفنان الرائد ميلاد الشايب: عينك ترى الضوء جيداً. لم تعوقني دراستي الجامعية في طب الأسنان بدمشق/تخرجت في ١٩٨٧ /عن متابعة شغفي. ورغم تغربي ست سنوات خارج سورية إلا أني كنت متابعة للمشهد التشكيلي السوري، فعدت بحماسة لأشارك بمعارض جماعية وكان لي معرضي الفردي الأول في صالة طرطوس القديمة عام ٢٠٠٥ حيث كان لعملي مع مجموعة متطوعون لإنقاذ عمريت أهمية كبيرة في الاطلاع على واقع آثارنا المهمل، وزاد من تعلقي بها فرصة إخراج فيلمين قصيرين إنتاج المؤسسة العامة للسينما للإضاءة على أهميتها.. عام ٢٠٠٨ شاركت في تأسيس نادي الرسم المجاني للأطفال في طرطوس وهو رسم حر في الشارع وقد نقلنا فكرته عن مؤسسه أ.عصام حسن في اللاذقية، وكنت مديرته حتى ٢٠٢٠. أتاح لي فرصة الاقتراب من الطفل وهو يرسم بالمائي بيده الصغيرة بتلك الحرية والعفوية. وأثناءها شاركت بعدة ملتقيات ومعارض جماعية. وبعدة تقنيات زيتي وباستيل ومائي . مؤخراً شاركت في معرض ألواح تتكلم حيث تعرفت مع الفنان جورج شمعون على تقنية جديدة بالزيتي كنا جميعاً نعمل بها. وبملتقى جبران خليل جبران في دمشق وطرطوس، ورغم أني لا أمتلك مرسماً ورغم ضيق الوقت إلا أني تابعت مؤخراً بتقنية المائي عدة مواضيع كالبورتريه، وأماكن أثرية في محافظتي – وهي تلقى حيز كبير من اهتماماتي- و عدة مناظر للبحر، كوني ابنة الساحل .. وهناك تحضيرات لمعرض فردي جديد أتمنى أن يسمح وقتي المزدحم باتمامه..”