مها دياب:
في ليلة بلا قمر، تلاقت المسيرات الإيرانية والإسرائيلية فوق سماء سوريا، لا لعقد هدنة ولا لتبادل رسائل سياسية، بل لتبادل الانفجارات كأنها لغة جديدة مفهومة في هذا الركن من الشرق الأوسط الذي لا يعرف النوم. ارتفعت، تقاطعت، ثم انفجرت، لتشعل السماء بألوان خاطفة كأنها شظايا أحلام محترقة تناثرت من ذاكرة بلد لا يتوقف عن الاحتراق.
ولكن الحدث الحقيقي لم يكن في السماء، بل على الأرض، السوريون لم يهرعوا للاختباء، بل ارتفعت رؤوسهم كأنهم أمام شاشة ضخمة في ساحة عامة، بعضهم على الشرفات، وآخرون في الشارع، والكل يحدق… لا بدهشة، بل بملل ناضج.
يشربون الشاي بالشرفات لمشاهدة عرض الألعاب النارية، بينما يلتقطون الصور معلقين: “بس لو ينسقوا الألوان شوي، عين المشاهد تعبت”.
هؤلاء لم يكونوا ساخرين لأن الموقف مضحك، بل لأنهم أتقنوا فن الضحك على حافة الانفجار، فالسوري لا يرتجف من صوت السماء، بل يهز كتفيه يلتقط صورة، ويكمل شراء الخبز.
أما الأطفال، فجلسوا على الحافة وكأنهم أمام حلقة جديدة من كرتونهم المفضل، أُعيد بثه مباشرة لم يفهموا من يقاتل من، ولكنهم فهموا أن الضوء والصوت لا يوحيان بالهدوء، ومع ذلك… كانوا يتابعونه بشغف لا يخلو من التصفيق.
إنه مشهد سريالي…سماء تلمع كعيد من دون زينة، وأرض تضحك كي لا تختنق. السوري، بعدما ذاق كل نكهة للموت، صار يرى في الكارثة عرضاً، وفي الانفجار خلفية لنكتة، وفي احتراق السماء فرصة لالتقاط صورة تسند ذاكرة اللا منطق.
لقد تعودوا أن يراقبوا المصائب… كمشاهدين محترفين لمسلسل لا ينتهي، لا بطولة في رد فعلهم، بل لأن الدهشة رحلت، والخوف استبدل بالسخرية، في بلاد كانت تقصف فيها الحياة يومياً.